سُننُ سَعيد بن مَنصور
(ت ٢٢٧ هـ)
تحقيق
فريقٍ من البَاحِثِينَ
بإشراف وَعنَاية
أ. د/ سَعدِ بن عبد اللهِ الحُمَيِّد
و
د/ خالِدِ بن عَبدِ الرَّحمن الجُريسِيّ
المجلّد السّادس
(التَّفسِير)
[١١٧٨ - ١٦٨٣]
حقوق الطبع محفوظة
دار الألوكة للنشر
الرياض - المملكة العربية السعودية [email protected]
6 / 1
ح خالد بن عبد الرحمن الجريسي، ١٤٣٣ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الجريسي، خالد بن عبد الرحمن
سنن سعيد بن منصور الجزء السادس./ خالد بن عبد الرحمن الجريسي. - الرياض، ١٤٣٣ هـ
٥٢٨ ص؛ ١٧×٢٤ سم
ردمك: ٠ - ٨٩٠٠ - ٠٠ - ٦٠٣ - ٩٧٨
١ - الحديث - سنن
٢ - الحديث - أحكام أ - العنوان
ديوي ٢٣٧
٨٤/ ١٤٣٣
رقم الإيداع: ٨٤/ ١٤٣٣
ردمك: ٠ - ٨٩٠٠ - ٠٠ - ٦٠٣ - ٩٧٨
حقوق الطبع والترجمة محفوظة
الطبعة الأولى
ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ - مارس ٢٠١٢ م
دار الألوكة للنشر
الرياض - المملكة العربية السعودية [email protected]
6 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
6 / 3
مُقدِّمَة
الحمدُ للهِ الكريمِ المنّانْ، ذي الطَّوْلِ والفضلِ والإحسانْ، الذي هدانا للإيمانْ، وفضَّل دينَنا على سائرِ الأديانْ، ومنّ علينا بإرسالِهِ إلينا أكرمَ خلقِهِ عليْهْ، وأفضلَهُمْ لدَيْهْ، حبيبَهُ وخليلَهْ، وعبدَهُ ورسولَهْ، محمدًا ﷺ فمحا به عبادة الأوثان، وأكرمه ﷺ بالقرآن المعجزةِ المستمرّةِ على تعاقُبِ الأزمانْ، التي تَحدّى بها الإنسَ والجانْ، وأَفحمَ بها جميعَ أهلِ الزّيغِ والطغيانْ، وجعلَهُ ربيعًا لقلوبِ أهلِ البصائرِ والعرفانْ، لا يَخْلَقُ على كثرةِ الترديدِ وتغايُرِ الأحيانْ، ويسَّره للذكرِ حتى استظهرَهُ صغارُ الولدانْ، وضَمِنَ حفظَهُ من تطرُّقِ التغيُّرِ والحَدَثَانْ، وهو محفوظٌ بحمدِ اللّهِ وفضلِهِ ما اختلف المَلَوَانْ، نَحمَدُه على ذلك وغيرِهِ من نعمِهِ التي لا تُحصى خصوصًا على نعمةِ الإيمانْ، ونسألُهُ المنّةَ علينا وعلى سائرِ المسلمينَ بالرّضوانْ، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ له شهادةً محصِّلةً للغفرانْ، مُنقِذةً أصحابَها من النّيرانْ، مُوصِّلةً لهم إلى سُكنى الجِنانْ (^١).
أما بعدُ:
فهذه الثلاثةُ الأجزاءِ تكملةٌ لما سبقَ إخراجُهُ مما انتهى إلينا من مخطوطِ "سننِ سعيدِ بنِ منصورٍ"، ننشرُها مُحقَّقة مُخرَّجةَ الأحاديثِ والآثارِ، على هذهِ الصورةِ من التجويدِ التي تعاضدتْ عليها جهودُ الإخوةِ الباحثين في مكتبِنا.
_________
(^١) مقتبس من مقدمة كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي ﵀.
6 / 5
وتتضمّنُ هذه التكملةُ تتمةَ كتابِ التفسيرِ، ويتلُوهُ كتابُ الزهدِ، وهو آخرُ كتبِ "سننِ سعيدِ بنِ منصورٍ".
وسنعملُ بعونِ اللّه تعالى - بعدَ إخراجِنا هذه الأجزاءَ - على إعادةِ إخراجِ كلِّ ما وَقَفْنا عليه من أصولِ هذا الكتابِ إخراجًا تامًّا جديدًا على النهجِ الذي سلكناه في تحقيقِ هذه الأجزاء من التفسير، ومن ذلك: القسمُ الذي حقَّقه الشيخُ المحدِّثُ حبيبُ الرحمنِ الأعظميُّ ﵀، والأجزاءُ الخمسةُ التي طُبعتْ من قبلُ بتحقيق أ. د. سعد بن عبد اللّه الحميِّد؛ وذلك من كتابِ التفسيرِ وفضائلِ القرآنِ.
وفي تقديرِنا ستزيدُ أجزاءُ الكتابِ كلِّه على خمسة عشر مجلدًا، معتمدين في بعضِ أقسامِهِ على نسختينِ خطيتينِ، وهو القسمُ الذي أخرجه الشيخُ الأعظميُّ ﵀.
وقد آثرنا جعل الكلام على منهجنا في العمل وملاحظاتنا على النسخة في مقدمة التحقيق بعد تمام الفراغ من جميع أجزائه إن شاء اللّه تعالى.
ونشكُرُ فَرِيق التحقيق في هذا الكتابِ الذين بتيسير اللّه سبحانه ثم تضافُرِ جهودهم، أمكَنَ إنجازُ هذا العمل.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
أ. د. سعد بن عبد الله الحميِّد
د. خالد بن عبد الرحمن الجرشي
6 / 6
تَفسيُر سُورةِ إِبرَاهِيمَ عليه الصَّلاةُ والتَّسْليم
[قولُهُ تعالى: ﴿(٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْكَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)﴾]
[١١٧٨] حدَّثنا سعيدٌ، قال: سمعتُ فضيلًا (^١) يقولُ: ﴿لَئِنْ (^٢) شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾: من طاعتي.
[قولُهُ تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾]
[١١٧٩] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا هُشيمٌ؛ قال: نا مُغيرةُ (^٣)، عن شِباكٍ (^٤)، عن إبراهيمَ (^٥)؛ في قولِه ﷿: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾؛ قال: [المُناكِبُ] (^٦) لِلْحَقِّ.
_________
[١١٧٨]، سنده صحيح.
(^١) أي: فضيل بن عياض.
(^٢) في الأصل: "لان".
(^٣) هو: ابن مقسم، تقدم في الحديث [٥٤]، أنه ثقة متقن؛ إلا أنه يدلس عن إبراهيم النخعي.
(^٤) هو: شِبَاكٌ الضَّبِّي، تقدم في الحديث [٩٢٧] أنه ثقة.
(^٥) هو: النخعي.
(^٦) في الأصل: "المباكث". والمثبت من "ذم الكلام وأهله" - إذ رواه من طريق المصنف؛ كما في التخريج - ومن "حلية الأولياء" وفيه: "المناكب عن الحق"، وفي موضعي "تفسير ابن جرير" وأحد موضعي "الدر المنثور": "الناكب عن الحق"، وفي الموضع الآخر: "مناكب عن الحق".
وأولى هذه الألفاظ بالصواب ما عند ابن جرير: "الناكب عن الحق"؛ يقال: نكب عن الشيء والطريق ينكب - كنصر وفرح - نَكْبًا ونَكَبًا ونكوبًا: عَدَل عنه، ونكَّبه: عدل عنه واعتزله، وتنكَّبَه: تجنبه. وهو معنى عَنَد عن الحق والطريق يعند - كنصر وضرب وكرم - عُنودًا: مال وعدل وتباعد. وهكذا فُسِّر في جُل كتب التفسير؛ بمعنى المباعدة للحق. والله أعلم. وانظر: "تاج العروس" (ن ك ب، ع ن د).
[١١٧٩] سنده فيه المغيرة بن مقسم الضبي، وقد كان يدلس عن إبراهيم النخعي؛ =
6 / 7
[١١٨٠] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا عَمرُو بنُ ثابتٍ (^١)، عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ (^٢)، عن قيسِ بنِ السَّكَنِ (^٣)؛ قال: أَوْحى اللهُ إلى داودَ ﵇:
_________
= وقد بيَّن في هذه الرواية الواسطة بينه وبين إبراهيم؛ وهو: شباك الضبي، فانتفت شبهة التدليس في هذه الرواية، وشباك ثقة.
فالأثر بهذا الإسناد صحيح، إلا أن الهروي روى هذا الأثر في "ذم الكلام وأهله" من طريق المصنف، فجاء في نسختين خطيتين: "شباك"، وفي نسختين أخريين: "سماك"؛ كما قال المحقق.
ورواه ابن جرير كما سيأتي من طريق بشر، عن هشيم، وفيه: "سماك" بدل "شباك". ومغيرة بن مقسم يروي عن كل من شباك وسماك، كما أن كلًّا من شباك وسماك يروي عن إبراهيم النخعيِ. وسماك هذا هو ابن حرب، وتقدم في الحديث [١٠١١]، أنَّه صدوق، وعلى فَرَض أن يكون سماك هو الراوي فيكون الأثر بهذا الإسناد حسنًا. والله أعلم.
ورواه أبو عوانة وجرير بن عبد الحميد، عن المغيرة، عن إبراهيم، بدون ذكر الواسطة كما سيأتي.
والأثر عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٠١) لابن جرير، وفي (١٣/ ٦٣٦) لابن المنذر.
وقد أخرجه الهروي في "ذم الكلام وأهله" (٥٥٢) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٦١٥ - ٦١٦) من طريق بشر، عن هشيم، عن مغيرة، عن سماك، عن إبراهيم، به
وأخرجه ابن جرير أيضًا (١٣/ ٦١٥) من طريق أبي عوانة الوضاح بن عبد اللّه، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ٢٣١) من طريق جرير بن عبد الحميد؛ كلاهما عن مغيرة، عن إبراهيم، به، دون ذكر الواسطة بين مغيرة وإبراهيم.
(^١) تقدم في تخريج الحديث [١٧٩] أنه متروك رافضي.
(^٢) تقدم في الحديث [٨٧٤] أنه ثقة فقيه جليل، إلا أنه كثير الإرسال والتدليس.
(^٣) هو: قيس بن السَّكَن، الأَسَدي، الكوفي، ثقة، توفي قبل سنة سبعين كما قال الحافظ في "التقريب". انظر: "التاريخ الكبير" (٧/ ١٤٥)، و"الجرح والتعديل" (٧/ ٩٨)، و"الثقات" لابن حبان (٥/ ٣٠٩)، و"تهذيب الكمال" (٢٤ - ٥٠/ ٥٣).
[١١٨٠] سنده ضعيف جدًّا؛ لشدة ضعف عمرو بن ثابت، ومع ذلك فالأغلب أنه من الإسرائيليات. وسيتكرر عند المصنف برقم [٢٧٧٩]. =
6 / 8
قل للجَبَّارينَ: لا يذكروني؛ فإن من ذكرني ذكرتُه؛ فإنهم إن ذكروني ذكرتُهم فلعنتُهم.
[قولُهُ تعالى: ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)﴾]
[١١٨١] حدَّثنا سعيد، قال: نا يزيدُ بنُ هارونَ، عن العَوَّامِ (^١)، عن إبراهيمَ التَّيْميِّ؛ في قولِه: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾؛ قال: حتى من أطرافِ شعرِهِ.
_________
= وقد أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٢٤٣٠ و٣٥٢٥٦ و٣٦٢٥٥)، وأحمد في "الزهد" (ص ٧٣)، وهناد في "الزهد" (٧٨٧)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٧٠٧٩)؛ من طريق الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن الحارث، عن ابن عباس قال: "أوحى الله إلى داود ﵇ أن: قل للظلمة: لا يذكروني؛ فإنه حق عليَّ أن أذكر من ذكرني، وإن ذكري إياهم أن ألعنهم". وهذا إسناد حسن عن ابن عباس؛ فالمنهال بن عمرو صدوق، وباقي رجال الإسناد ثقات، وقد جاء في المطبوع من "الزهد" للإمام أحمد: "عن الأعمش قال: قال ابن عباس" دون ذكر المنهال بن عمرو وعبد اللّه بن الحارث. وقد روي عن ابن عباس مرفوعًا، ولا يصح. وانظر: "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (٣٣٣٦).
(^١) هو: ابن حوشب، تقدم في الحديث [١١] أنه ثقة ثبت فاضل.
[١١٨١] سنده صحيح.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٠٤) لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (٣٥٩٨١) عن يزيد بن هارون، به.
وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٦٢١) عن الحسن بن محمد الزعفراني، والبيهقي في "البعث والنشور" (٦١١) من طريق الحسن بن مكرم؛ كلاهما (الحسن بن محمد، والحسن بن مكرم) عن يزيد بن هارون، به.
ورواه هشيم بن بشير عن العوام بن حوشب، كما في الأثر الآتي.
6 / 9
[١١٨٢] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا هُشيمٌ؛ قال: نا العَوَّامُ، عن إبراهيمَ التَّيْميِّ؛ في قولِه: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾؛ قال: حتى من موضِعِ كلِّ شعرةٍ.
[قولُهُ تعالى: ﴿.... مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ .... (٢٢)﴾]
[١١٨٣] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا خالدُ بنُ عبدِ اللّهِ، عن داودَ (^١)، عن عامر الشَّعْبيِّ؛ في قولِهِ: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ قال: خطيبانِ يقومانِ يومَ القيامةِ: فأمَّا إبليسُ فيقولُ هذا القولَ، وأما عيسى فيقولُ: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ (^٢).
_________
[١١٨٢] سنده صحيح، وهو طريق آخر للأثر السابق.
وقد أخرجه الفراء في "معاني القرآن" (٢/ ٧٢) عن هشيم، به.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (١٢٦) عن فضيل بن عبد الوهاب، وعبد اللّه بن أحمد في "زوائده على الزهد" (ص ٤٣٦)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ٢١٢)؛ من طريق أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم؛ كلاهما (فضيل، وأبو معمر) عن هشيم، به.
وتصحف: "هشيم" في المطبوع من الزهد إلى "هاشم".
ومن طريق عبد الله أخرجه أبو نعيم في الموضع السابق من "الحلية"، وفيه: "ثنا عبد اللّه بن أحمد، حدثني أبي وأبو معمر، ثنا هشيم"؛ وجاء فيه: "هشيم" على الصواب.
(^١) هو: ابن أبي هند.
(^٢) الآية (١١٧) من سورة المائدة.
[١١٨٣] سنده صحيح إلى الشعبي.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٠٨) لابن جرير وابن المنذر.
وقد أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٣٠) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن جرير أيضًا (١٣/ ٦٢٩ - ٦٣٠) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى وإسماعيل بن علية وعلي بن عاصم؛ ثلاثتهم عن داود بن أبي هند، به.
6 / 10
[قولُه تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)﴾]
[١١٨٤] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا خالدٌ (^١)، عن حُصينٍ (^٢)، عن عِكْرِمة؛ في قولِهِ: ﴿مَثَلًا كَلِمَةً (^٣) طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ قال: هي النخلةُ، والحِينُ: ستةُ أشهرٍ.
_________
(^١) هو: خالد بن عبد اللّه الواسطي.
(^٢) هو: ابن عبد الرحمن السلمي، تقدم في الحديث [٥٦] أنه ثقة تغير حفظه في الآخر، لكن خالد بن عبد اللّه الواسطي - الراوي عنه هنا - هو ممن روى عنه قبل تغيره.
(^٣) في الأصل: "ومثل كلمة".
[١١٨٤] سنده صحيح.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥١٥) لابن جرير وابن أبي حاتم والرامهرمزي.
وقد أخرجه حرب بن إسماعيل الكرماني في "مسائله" (٦١٦)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٦٤١ و٦٤٦)؛ من طريق المصنف، به؛ إلا أنهما قالا: "عن الشيباني" بدل: "عن حصين"، فلعلها رواية أخرى عن المصنف، لكن لم نجد من رواه عن الشيباني سوى حرب وابن جرير.
وقد أخرجه ابن جرير (١٣/ ٦٤٠) من طريق معلى بن أسد، عن خالد، عن حصين، به.
وأخرجه الرامهرمزي في "الأمثال" (ص ١٠٩) من طريق سليمان بن كثير، عن حصين، به.
وأخرجه الفراء في "معاني القرآن" (٢/ ٤٥) من طريق عبد الرحمن بن الغسيل الأنصاري، وعبد الرزاق (١١٣٢٥)، وابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٤٦ و٦٤٨)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١١٥٩١)، من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني، وابن أبي شيبة (١٢٥٩٦) من طريق داود بن أبي هند، وابن أبي شيبة (١٢٦٠٩/ ط. عوامة)، وابن جرير (١٣/ ٦٤٦)؛ من طريق أيوب السختياني، وابن أبي شيبة (١٢٦٠١)، والبيهقي (١٠/ ٦٢)؛ من طريق إبراهيم=
6 / 11
[١١٨٥] حدَّثنا سعيد، قال: نا أبو مُعاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي ظَبْيانَ (^١)، عن ابنِ عباسٍ؛ قال: الحِينُ قد يكونُ غُدوةً وعشيةً.
[قولُهُ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨)﴾]
[١١٨٦] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا خالدُ بنُ عبدِ اللّهِ، عن حُصَينٍ (^٢)
_________
= ابن مهاجر؛ جميعهم (ابن الغسيل، وابن الأصبهاني، وداود، وأيوب، وإبراهيم) عن عكرمة قال: الحِينُ ستة أشهر. ووقع في "السنن الكبرى" للبيهقي: "إبراهيم بن المنهال" بدل: "إبراهيم بن مهاجر".
(^١) هو: حصين بن جندب، تقدم في الحديث [٥٨] أنه ثقة.
[١١٨٥] سنده صحيح، وعنعنة الأعمش هنا محمولة على السماع؛ لأن شعبة ممن روى عنه هذا الأثر كما سيأتي، وروايته عنه محمولة على السماع كما سبق بيانه في الحديث [٣].
والأثر عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥١٥) للمصنف والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، وعزاه في (٨/ ٥١٦) للبيهقي.
وقد أخرجه حرب بن إسماعيل الكرماني في "مسائله" (٦١٧) عن المصنف.
وأخرجه ابن أبي شيبة (١٢٥٩٤) عن أبي معاوية، به.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٤٣) عن الحسن بن محمد بن الصباح، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١١٥٨٩) عن أحمد بن سنان، والبيهقي (١٠/ ٦١) من طريق سعدان بن نصر؛ جميعهم (الحسن بن محمد، وأحمد بن سنان، وسعدان) عن أبي معاوية، به.
وأخرجه ابن جرير أيضًا (١٣/ ٦٤٣ و٦٤٤) من طريق محمد بن عبيد وسفيان الثوري وشعبة وزائدة بن قدامة وشريك بن عبد اللّه النخعي، والضياء في "المختارة" (١٠/ رقم ٣) من طريق شعبة؛ جميعهم عن الأعمش، به.
وأخرجه ابن جرير أيضًا (١٣/ ٦٤٥) من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، به.
(^٢) هو: ابن عبد الرحمن السُّلَمي. وانظر الكلام عليه في التعليق على الحديث قبل السابق.
[١١٨٦] سنده صحيح إلى أبي مالك غزوان الغفاري. =
6 / 12
عن أبي مالكٍ؛ في قولِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾؛ قال: هم القادةُ من المشركينَ يومَ بدرٍ.
[١١٨٧] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيانُ، عن عمرٍو (^١)، عن عطاءٍ (^٢)، عن ابنِ عباسٍ؛ قال: هم - واللّه - أهلُ مكةَ.
_________
= وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٦٧٥) من طريق معلى بن أسد، عن خالد بن عبد اللّه، به.
وأخرجه ابن جرير أيضًا (١٣/ ٦٧٥ و٦٧٥ - ٦٧٦) من طريقين عن هشيم، عن حصين، عن أبي مالك وسعيد بن جبير معًا، نحوه.
(^١) هو: ابن دينار.
(^٢) هو: ابن أبي رباح.
[١١٨٧] سنده صحيح.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٤٧) للمصنف وعبد الرزاق والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في "دلائل النبوة".
وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (١/ ٣٤٢ - ٣٤٣) عن سفيان بن عيينة، به.
وأخرجه البخاري (٣٩٧٧) عن الحميدي، و(٤٧٠٠) عن علي بن المديني، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١٢٠٤) عن قتيبة بن سعيد، وابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٧٣) من طريق عبد الجبار بن العلاء، و(١٣/ ٦٧٥) عن أبي كريب محمد بن العلاء، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٣/ ٩٥) من طريق ابن أبي عمر العدني؛ جميعهم (الحميدي، وابن المديني، وقتيبة، وعبد الجبار، وأبو كريب، والعدني) عن سفيان بن عيينة، به.
وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٦٧٣ و٦٧٥)، والبغوي في "الجعديات" (٣٣٣٥)؛ من طريق حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: "هم المشركون من أهل بدر"، ولم يذكر عطاء بن أبي رباح.
ورواية ابن عيينة أرجح؛ فهو أوثق الناس في عمرو بن دينار، وأحفظ من حماد بن سلمة.
6 / 13
[قولُهُ تعالى: ﴿... فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ... (٣٧)﴾]
[١١٨٨] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا جَريرٌ (^١)، عن منصور (^٢)، عن مجاهدٍ؛ في قولِهِ ﷿: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ (^٣)؛ قال: لو كان قال: أفئدةَ الناسِ؛ لازدحمتْ عليه فارسُ والرُّومُ.
_________
(^١) هو: ابن عبد الحميد.
(^٢) هو: ابن المعتمر.
(^٣) فائدة: قرأ مجاهد هذه الآية: ﴿... تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾، و"تَهْوَى" مضارع "هَوِيَ" بمعنى أحبَّ، وعُدِّي بـ "إلى" لتضمُّنِه معنى الميل والنزوع. وقراءة الجمهور: ﴿تَهْوِي﴾ مضارع "هَوَى"، ومن معانيه أيضًا: الميل، والنزوع، والشوق، والإسراع، والارتفاع؛ فمعناهما متقارب؛ و"تَهْوِي" أيضًا فيه تضمين؛ إذ حقه أن يتعدى باللام.
وانظر: "المحتسب" لابن جني (١/ ٣٦٤)، و"التبيان" للعكبري (٢/ ٧٧١)، و"الدر المصون" للسمين الحلبي (٧/ ١١٥ - ١١٦)، و"معجم القراءات" لعبد اللطيف الخطيب (٤/ ٥٠١ - ٥٠٢).
[١١٨٨] سنده صحيح.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٥٨ - ٥٥٩) لابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (١٦٠٦٧) عن جرير بن عبد الحميد، به.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٩٨) عن محمد بن حميد، وسفيان بن وكيع، و(١٣/ ٦٩٩) من طريق علي بن الجعد، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٣/ رقم ١٤١٥٦) من طريق إسحاق بن راهويه؛ جميعهم (ابن حميد، وابن وكيع، وابن الجعد، وابن راهويه) عن جرير بن عبد الحميد، به.
وأخرجه الثوري في "تفسيره" (٤٦٥) - ومن طريقه ابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٩٨) - عن منصور، به، إلا أنه جاء في المطبوع من "تفسير الثوري": "سفيان، عن مجاهد" دون ذكر منصور في الإسناد.
6 / 14
[١١٨٩] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا عبدُ الرحمنِ بنُ زيادٍ (^١)، عن شعبةَ، عن الحكَمِ (^٢)؛ قال: سألتُ طاوسًا وعطاءً وعِكْرمةَ (^٣) عن
_________
(^١) هو: الرصاصي، تقدم في الحديث [٦] أنه صدوق.
(^٢) هو: ابن عُتَيبة.
(^٣) طاوس هو: ابن كيسان، وعطاء هو: ابن أبي رباح، وعكرمة هو: مولى ابن عباس.
وكذا جاء في الأصل: "سألت طاوسًا ... "، وكذا في "الدر المنثور" و"معاني القرآن"، وفي بقية المصادر: "عن طاوس وعكرمة وعطاء"، مع تقديم وتأخير في الأسماء الثلاثة. والعَلَم "طاوس" يجوز فيه الصَّرف - وهو الأكثر - وعدمُه، فمن صرفَهُ ذهب إلى أنه عربيٌّ أصيل، وأنه اشتُقَّ من قول العرب: تطَوَّسَتِ المرأةُ: إذا تزيَّنت. ومن منع صرفَه ذهب إلى أنه أعجمي.
قال: د. ف عبد الرحيم: هو يوناني معرَّب، وأصله "تاؤُس" بالهمزة، ألحقوه بـ "فاعول"؛ لفقد "فاعُل" في الأبنية العربية.
انظر: "المعرَّب" للجواليقي (ص ٤٤٣)، وانظر: "لسان العرب" و"تاج العروس" (ط وس)، وبحث: "فاعول" بين العربية والسريانية ضمن كتاب "دراسات في اللغتين السريانية والعربية" لإبراهيم السامرائي (ص ١٤٧).
[١١٨٩] سنده حسن؛ لحال عبد الرحمن بن زياد، وقد توبع كما سيأتي؛ فالأثر صحيح.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٥٩) لابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (١٦٠٦٢) عن وكيع ومحمد بن جعفر غندر، وابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٦٩٩) من طريق وكيع وغندر وعلي بن الجعد ويحيى بن عباد وشبابة وآدم بن أبي إياس، والبغوي في "الجعديات" (٢٤٦) عن علي بن الجعد، والنحاس في "معاني القرآن" (٣/ ٥٣٦ - ٥٣٧) من طريق يحيى بن عباد؛ جميعهم (وكيع، وغندر، وابن الجعد، ويحيى بن عباد، وشبابة، وآدم) عن شعبة، به، نحوه، ولم يذكر في رواية غندر عند ابن جرير: "عطاءً ولا طاوسًا"، وجاء في رواية يحيى بن عباد وشبابة وابن الجعد عند ابن جرير: "سعيد" بدل "شعبة"، وجاء على الصواب في "الجعديات" و"معاني القرآن".
6 / 15
قولِه: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾؟ قال (^١): أهواءَهم (^٢) إلى مكةَ.
_________
(^١) كذا في الأصل، وكذا في رواية ابن الجعد، إلا أنه قال: "عن عطاء وطاوس وعكرمة ... قال". والجادة: "قالوا" أي: طاوس وعطاء وعكرمة. ويخرَّج قوله "قال" على أوجه:
أحدها: أنه أراد: قال كلُّ واحدٍ منهم، أو: قال جميعهم، ويكون الفاعل ضميرًا مستترًا يعود على المفهوم من السياق؛ ونحوه: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] أي: الأرض، و﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢]، أي: الشمسُ؛ ولم يتقدم ذكرهما. وانظر في ذلك: "ارتشاف الضرب" لأبي حيان (٢/ ٩٤١ - ٩٤٣)، و"همع الهوامع" للسيوطي (١/ ٢٦٣).
والثاني: أن يعود ضمير الفاعل على أحدِ الثلاثة؛ ويكون ذَكَر فعل القول الخاص بأحدهم فقط اكتفاءً بالشيء عن نظيره أو نظائره؛ كقول الشنفرى [من الطويل]:
وأَصْبَحَ عَنِّي بالغُمَيْصاءِ جالِسًا ... فَرِيقانِ مَسْؤُولٌ وآخَرُ يَسْألُ
فلم يُثَنِّ خبر "أصبح" - وهو "جالسًا" - مع أن اسمها "فريقان" مثنى.
ويدخل هذا أيضًا في التوسُّع في الدلالة والخروج عن الأصل؛ فيدل المفرد على المثنى أو الجمع، والمثنى على المفرد أو الجمع، والجمع على المفرد أو المثنى.
وانظر: "إعراب لامية الشنفرى" (ص ١٢٩)، و"همع الهوامع" (١/ ١٩٤).
والثالث: أن يكون أصل: "قال" هنا: "قالُوا" أي: الثلاثة. فحذف الواو وأبقى الضمة دليلًا عليها؛ ويضبط الفعل حينئذ "قَالُ"، ويُعدّ هذا من الاجتزاء بالحركات عن حروف المد، وهو لغة لبعض العرب، ولها شواهد كثيرة؛ انظرها في: "الخصائص" لابن جني (٣/ ١٣٣ - ١٣٦)، و"سر صناعة الإعراب" له (٢/ ٦٣١ - ٦٣٢)، و"الإنصاف" لابن الأنباري (١/ ٣٨٥ - ٣٩١)، (٢/ ٥٤٤ - ٥٤٧).
(^٢) كذا في الأصل؛ ويكون المعنى: "اجعل أهواءهم". ولم نقف على نصٍّ بمخالفة الثلاثة (طاوس وعطاء وعكرمة) لقراءة الجمهور: ﴿تَهْوِي﴾، وقد فُسِّرت قراءة الجمهور أيضًا بالميل والحب والنزوع والشوق، وانظر الفائدة في التعليق على الأثر السابق.
6 / 16
[قولُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢)﴾]
[١١٩٠] حدَّثنا سعيدٌ، قال: سألتُ سفيانَ عن قولِهِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾؟ قال: تعزيةٌ للمؤمنِ، ووعيدٌ للكافرِ. قلتُ: من قاله يا أبا محمدٍ؟ قال: أهلُ العلمِ.
[قولُهُ تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)﴾]
[١١٩١] حدَّثنا سعدٌ، قال: نا خالدُ بنُ عبدِ اللهِ، عن حُصَينٍ (^١)،
عن أبي مالك؛ في قولِهِ ﷿: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾؛ قال: صنعوا تَوابيتًا فعلَّقوا بالنُّسُورِ (^٢)، فلما
_________
[١١٩٠] سنده صحيح إلى سفيان بن عيينة.
(^١) هو: ابن عبد الرحمن السلمي، تقدم في الحديث [٥٦] أنه ثقة تغير حفظه في الآخر، لكن خالد بن عبد اللّه الواسطي - الراوي عنه هنا - هو ممن روى عنه قبل تغيره.
[١١٩١] سنده صحيح إلى أبي مالك غزوان الغفاري، ولكنه لم يذكر عمن أخذه.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٧٢ - ٥٧٣) للمصنف وابن أبي حاتم.
(^٢) قوله: "توابيتًا فعلقوا بالنسور" كذا في الأصل، ولم يذكر السيوطي لفظ المصنِّف. وفيما في الأصل إشكالان: الأول: قوله: "توابيتًا" والجادَّة فيه: "توابيتَ" بحَذْفِ الألف؛ لأنه ممنوعٌ من الصرف لمجيئه على صيغة منتهى الجموع، لَكنَّ قوله: "توابيتًا" بالتنوين، جائزٌ في العربية وصحيحٌ؛ ويخرَّج على لغة من يَصْرفُ جميعَ ما لا ينصرف في الاختيار وسعة الكلام؛ وهي لغة لبعض العرب، ومن شواهدها قولُهُ تعالى: ﴿سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان: ٤] في قراءة من نوَّن "سلاسلًا"، ومثل ذلك: قراءتُهُمْ بالتنوين في قوله تعالى: ﴿قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ﴾ [الإنسان: ١٥، ١٦]، وقراءةُ الأعمش والأشهب العقيلي والمطوِّعي: ﴿وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣]. =
6 / 17
أَهْوَتْ (^١) من السماءِ؛ ظنَّتِ الجبالُ أنه أمرٌ حَدَثَ من السماءِ.
[١١٩٢] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيانُ، عن عمرٍو (^٢)، عن عِكرمةَ (^٣)؛ قال: قرأ عمرُ: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (^٤).
_________
= ويمكن تخريجه أيضًا على أنه بالألف بلا تنوين؛ فقد ذكر ابن جنِّي أن من العرب مَنْ يقف على جميع ما لا ينصرف - إذا كان منصوبًا - بالألف؛ فيقولون: رأيتُ أحمدَا، وكلَّمتُ عثمانَا؛ وذلك لخفَّة الألف عليهم ولاعتيادهم صَرْفَ ما لا ينصرف في الشعر.
انظر: "سر صناعة الإعراب" لابن جني (٢/ ٦٧٧)، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب (٢/ ٧٨٣ - ٧٨٤)، و"مغني اللبيب" (ص ١٩٥)، و"همع الهوامع" (١/ ١٣١ - ١٣٣)، و"إبراز المعاني، من حرز الأماني" لأبي شامة (ص ٧١٣ و٧١٥)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (٨/ ٣٣٦ و٣٨٧)، و"شرح التصريح" لخالد الأزهري و"شرح الأشموني" (آخر باب الممنوع من الصرف).
والإشكال الثاني: قوله: "فعلقوا"، والجادَّة فيه: "فعقلوها" أي: التوابيت، وما في الأصل فيه حذف المفعول به أو ضميره للعلم به.
وانظر "الخصائص" لابن جني (٢/ ٣٧٢)، و"مغنى اللبيب" (ص ٧٩٧ - ٧٩٩)، و"همع الهوامع" (٢/ ١١ - ١٣).
(^١) أي: سقطت؛ يقال: هَوَى الشيء وأَهْوى وانْهَوى. "تاج العروس" (هـ وي).
(^٢) هو: ابن دينار.
(^٣) هو مولى ابن عباس، تقدم في الحديث [٤٦٦] أنه لم يسمع من عمر ﵁.
[١١٩٢] سنده ضعيف؛ للانقطاع بين عكرمة وعمر ﵁.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٦٩) للمصنف وأبي عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في "المصاحف".
وقد أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص ٣٠٤)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٧٢٠)؛ من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار، به.
(^٤) كذا القراءة بـ ﴿كاد﴾ مكان ﴿كان﴾، و﴿لِتَزُولُ﴾ بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وهي قراءة عمر وعليّ وابن مسعود وأُبي - بخلف عنه - وعمرو بن دينار وعكرمة، وغيرهم. ولم يقرأ بذينك الحرفين معًا أحدٌ من العشرة ولا الأربعة الشواذ، إلا أن الكسائي من السبعة قرأ: ﴿لِتَزُولُ﴾، وكذلك قرأ ابن محيصن من الشواذ. ولم يُضبط لفظ ﴿لِتَزُولُ﴾ في الأصل، وضبطه مَنْ ذكر القراءة. =
6 / 18
[قولُهُ تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)﴾]
[١١٩٣] حدَّثنا سعيدٌ، قال: نا الحسنُ بنُ يزيدَ الأَصَمُّ (^١)؛ قال: سمعتُا السُّدِّيَّ (^٢) يقولُ؛ في قولِهِ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾؛ قال: تُبَدَّلُ بأرضٍ (^٣) بيضاءَ، لم يُعْمَلْ فيها خطيئةٌ، ولم يُسْفَكْ فيها دمٌ.
_________
= وقراءة الجمهور: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. وانظر القراءة وتوجيهها في: "إعراب القرآن" للنحاس (٢/ ٣٧٥)، و"المحتسب" لابن جني (١/ ٣٦٥ - ٣٦٦)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (٥/ ٤٢٥ - ٤٢٦)، و"الدر المصون" للسمين الحلبي (٧/ ١٢٦ - ١٢٧)، و"معجم القراءات" لعبد اللطيف الخطيب (٤/ ٥١٤ - ٥١٧).
(^١) تقدم في الحديث [١٨٦] أنه ثقة.
(^٢) هو: إسماعيل بن عبد الرحمن، تقدم في تخريج الحديث [١٧٤] أنه صدوق يهم.
[١١٩٣] سنده صحيح عن السدي، لكنه لم يذكر عمن أخذه.
وقد أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" (١٤٢) من طريق الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة - في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ﴾ - قال: "تبدل خبزة بيضاء نقية، حتى يأكل المؤمن بين رجليه". وسنده ضعيف جدًّا؛ فالحكم بن ظهير تقدم في الحديث [٤٢١] أنه متروك رمي بالرفض، ووالد السدي هو عبد الرحمن بن أبي كريمة مجهول الحال كما في "التقريب".
(^٣) قوله: "تبدل بأرض ... " كذا في الأصل. وفيه دليل على صحة جواز دخول الباء على المأخوذ لا المتروك في مادة (ب د ل) وفروعها؛ وقد جاء في "المصباح المنير" (ب د ل) ما نصه: "أبدلته بكذا إبدالًا نحيت الأول، وجعلت الثاني مكانه". وجاء في "مختار الصحاح" (ب د ل) ما نصه: "الأبدال: قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد منهم أبدل الله تعالى مكانه بآخر ... " اهـ. وجاء في "تاج العروس" (ب د ل) ما نصه: "قال ثعلب: يقال: أبدلت الخاتم بالحلْقة، إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه،=
6 / 19
[١١٩٤] حدَّثنا سعيدٌ قال: نا عبدُ العزيزِ بنُ أبي حازمٍ (^١)، قال: حدَّثني أبي، عن سهلِ بنِ سعدٍ؛ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: "يُحْشَرُ
_________
= وبدلت الخاتم بالحلْقة، إذا أذبته وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم، إذا أَذبتها وجعلتها خاتمًا. قال: وحقيقته أن التبديل: تغيير الصورة إلى صورة أخرى والجوهرة بعينها، والإبدال: تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى.
قال أبو عمرو: فعرضت هذا على المبرد فاستحسنه، وزاد فيه فقال: وقد جعلت العرب "أبدلت" مكان "بدلت"".
وهذا مثال آخر لدخول الباء على المأخوذ، هو قول طفيل لما أَسلم:
وبَدَّلَ طَالِعَي نَحْسِي بسَعْدِ
هذا ولا فرق بين أن يكون ما تعلق به الجار والمجرور هو الفعل: "بدل" وفروعه وما تصرف منه، أم غيره بقرينة. انتهى من بحث للأستاذ عباس حسن قدمه إلى مجمع اللغة العربية، "كتاب الألفاظ والأساليب" من الدورة ٣٥ إلى الدورة ٤١ (ص ٣٦ - ٣٧). وانظر "عقود الزبرجد" (١/ (١) ١٨٦ - ٢٠٠).
(^١) هو: عبد العزيز بن سلمة بن دينار، تقدم في الحديث [٧٩٠] أنه صدوق فقيه.
[١١٩٤] سند المصنف فيه عبد العزيز بن أبي حازم، وتقدم الكلام عنه، ولكنه لم ينفرد به، فالحديث صحيح مخرج في "الصحيحين" كما سيأتي.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٥٧٧) للبخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه. وعزاه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١١/ ٣٧٥) للمصنف.
وقد أخرجه ابن حبان (٧٣٢٠) من طريق محمد بن الوليد الزبيري، والطبراني في "المعجم الكبير" (٦/ رقم ٥٩٠٨) من طريق إبراهيم بن محمد الشافعي؛ كلاهما عن ابن أبي حازم، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" (٩٦) - ومن طريقه مسلم (٢٧٩٠) - عن خالد بن مخلد، والبخاري (٦٥٢١)، والروياني في "مسنده" (١٠٦٩)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٧٣٢)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٦/ رقم ٥٨٣١) من طريق سعيد بن أبي مريم، كلاهما (خالد، وابن أبي مريم) عن محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن أبي حازم، به. إلا أن سعيد بن أبي مريم قال في روايته: "قال سهل أو غيره: ليس فيها معلم لأحد".
قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص ٣٣٦): "قوله: قال سهل أو غيره: ليس فيها معلم لأحد، ما أدري مَن عَنَى أبو حازم بقوله: أو غيره".
وانظر "فتح الباري" (١١/ ٣٧٥). =
6 / 20
النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ (^١) كقُرْصَةِ النَّقِيِّ (^٢)، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ (^٣) لأحَدٍ".
_________
= ورواه ابن أبي داود في "البعث" (٢١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" - كما في "تفسير ابن كثير" (١٤/ ٢٤١) - من طريق مصعب بن ثابت، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي؛ ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٤] قال: أرضٍ بَيضاءَ وعَفْرَاءَ كالخُبزَةِ من النَّقِيِّ.
(^١) قوله: "على أَرض بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ" أي: ليست بيضاء ناصعة شديدة البياض، بل يضرب بياضها إلى حمرة، وهو لون كلون عَفَر الأرض، أي: وجهها. وقيل: أرض بيضاء لم توطأ.
وانظر: "غريب الحديث" للحربي (١/ ١٩٤ - ١٩٥)، ولأبي عبيد (٣/ ١٢ - ١٣)، وللخطابي (١/ ١٤٨)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (٨/ ٣٢٢)، و"جمهرة اللغة" لابن دريد (٢/ ٧٦٥ - ٧٦٦)، و"تهذيب اللغة" للأزهري (٢/ ٣٥٠)، و"تاج العروس" (ع ف ر).
(^٢) قوله: "كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ": القرصة: الرغيف، والتاء للوحدة، والنَّقِيُّ: هو الدقيق الأبيض المنخول المنظف؛ سُمي كذلك لنقائه من النخالة، ويتخذ منه خبز يُسمى الحُوَّارَى؛ سُمي بذلك لبياضه، والتحوير: التبييض. والتشبيه بالقُرصة: في الشكل واللون، دون التقدير.
وانظر: "الفائق" للزمخشري (٣/ ٦)، و"شرح النووي على صحيح مسلم" (١٨/ ٥٢)، و"فتح الباري" (١١/ ٣٧٥)، و"مرقاة المفاتيح" (١٠/ ١٨٨)، و"تاج العروس" (خ ور، ن ق ي).
(^٣) وفي بعض الروايات: "مَعْلَم"، والعَلَم والمَعْلم بمعنى واحد؛ وهو الأثر، وما جُعل علامة على الطرق والحدود. والمراد: أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يُهتدى بها في الطرقات، كالجبل والصخرة البارزة. وقيل: فيه تعريض بأرض الدنيا، وأنها ذهبت وانقطعت العلاقة منها.
وانظر: "مشارق الأنوار" (٢/ ٨٣ و٨٤)، و"إكمال المعلم" (٨/ ٣٢٢)، و"تهذيب اللغة" (٢/ ٤١٨ - ٤١٩)، و"فتح الباري" (١١/ ٣٧٥)، و"مرقاة المفاتيح" (١٠/ ١٨٨).
6 / 21