لقد كانت الدول جانحة منذ سنوات إلى تقسيم الصين وتقدمت روسيا القيصرية فعلا لاستعمار منشوريا، فإذا باليابان - ذات الحمية والنخوة - تتصدى لها وتنجو الصين بهذه المثابة من خطر التقسيم.
لكن سياسة اليابان العسكرية في الوقت الحاضر متطلعة إلى ابتلاع الصين، فمصير الصين إذا هي ظلت معلقة بمراحم الدول العسكرية أن تمزق بين هذه الدول أو تبتلعها واحدة منها.
ويبدو أن الأحوال آخذة في التغير، فهذه الصين التي لبثت هاجعة عدة قرون قد تيقظت وعلمت أن اللحاق بركب العالم المتقدم ضرورة لا محيد عنها، وها نحن أولاء في مفترق الطريق، فهل نعد أنفسنا للسلام؟
إن العسكريين والرجعيين منا يؤثرون الاستعداد للقتال ويحاولون أن يصبغوا الصين بالصبغة اليابانية، وأن يتحينوا الفرص لإعلان حرب كحرب الملاكمين (البوكسر) تتحدى عالم الحضارة.
ولكنني باسم الجمهورية التي أسستها أود أن تجمع الصين عدتها للسلام، وأثوب إلى القلم - وهو في اعتقادي أقوى من السيف الذي جردته للقضاء على أسرة المانشو - فأخط هنا تفاصيل البرنامج الذي تستعد به الصين لخدمة السلام.
إن الدول - إذا هي صدقت النية على التعاون لتحصيل المنافع المتبادلة - خليقة أن تتقي أخطار الصراع على المغانم المادية التي تتطلع إليها في الصين، فإن مغانمها من طريق التعاون أوفر وأجدى من مغانم الصراع والقتال.
على أن العسكريين اليابانيين لا يزالون يحسبون أن الحرب أنفع المساعي الوطنية، ولا يزال أركان حربهم يرسمون الخطط للحرب المقبلة خلال عشر سنوات، وقد أكبر هذا الوهم في رءوسهم أن غزوتهم للصين سنة 1894 كانت موفورة الربح على قصرها وسهولتها، وأن حربهم مع روسيا سنة 1904 كانت كذلك نجاحا لليابان وكانت ثمراتها كبيرة بالنصر كبيرة بالقيمة، وأن إعلانها الحرب على ألمانيا سنة 1914 لم يكلفها بعض ما تكلفه المقاتلون من الرجال والأموال، ولكنها على هذا ربحت من ورائه إقليم شانتنج وهو في سعة رومانيا قبل الحرب يسكنه أناس في عدد سكان البلاد الفرنسية.
لا جرم إذن، مع هذه المغانم من كل حرب، أن تستمرئ اليابان مغبة الحروب ويخيل إليها أنها أربح التجارات في هذا العالم، ولكن الصين اليوم يقظى لما حولها، فكل عدوان من قبل اليابان ستصده الصين ولا شك بعزيمة صادقة.
إن الحرب التجارية، أو التنافس على الأسواق هي صراع بين أصحاب الأموال، وهذه الحرب التجارية لا تتحرى مصلحة قومية، بل تنشب بين أصحاب الأموال في الوطن الواحد عنيفة قاسية كما تنشب بينهم في الأوطان المتعددة، وسلاحها الماضي أن تتسابق إلى البيع الرخيص للقضاء على المنافس الضعيف ثم الاستبداد بالسوق وإملاء الشروط على المستنفدين إلى أمد طويل.
وعاقبة الحرب الاقتصادية لا تقل عن الحرب المسلحة في إضرارها بالمنهزم وشدة وطأتها عليه، وقد تفاقمت ضراوة هذه الحرب بعد اتخاذ المكنات لإنتاج المصنوعات، وكان بعض خبراء الاقتصاد من مدرسة آدم سميث يحسبون التنافس عاملا طيبا ونظاما صحيحا سليم العاقبة، ثم انكشف للخبراء المحدثين أنه على نقيض ذلك مضيعة للجهود ومدعاة للخراب، وجنحت آراؤهم إلى الوجهة المقابلة: أي إلى وجهة التركيز والتكافل بدلا من التفرق والتنافس.
Bilinmeyen sayfa