Summary of the Islamic Conquests
موجز عن الفتوحات الإسلامية
Yayıncı
دار النشر للجامعات
Baskı Numarası
-
Yayın Yeri
القاهرة
Türler
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
الجهاد في سبيل الله جزء أساسي من رسالة الإسلام، وسمة بارزة للأمة الإسلامية، ومن غاياته الدفاع عن ديار الإسلام، وإزالة العوائق التي تقف في سبيل وصول الدعوة الإسلامية إلى شعوب الأرض، وغزو ديار الحرب لتحويلها إلى جزء من ديار الإسلام، أو إلى دار عهد يدفع أهلها الجزية للمسلمين١.
ويجب التنبيه هنا إلى أن أصل الجهاد في سبيل الله ليس لحمل الناس على اعتناق الإسلام كرها، فـ ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٦]، وإنما لإزالة الحواجز والعقبات المانعة من سماع دين الفطرة التي فطر الله الناس علهيا، ولدفع الظلم عن المستضعفين في الأرض من الرجال والنساء والولدان. وكانت الدعوة إلى الإسلام وطرحه بأسلوب الحوار والمفاوضة الهادئة تسير جنبا إلى جنب مع الانتصارات العسكرية الباهرة التي حققتها الجيوش الإسلامية الفاتحة. وطريقة الحوار هذه كانت وسيلة من وسائل المسلمين المبتكرة في إقناع الشعوب بالتي هي أحسن كما تدعونا إلى ذلك أبواب الحوار والدعوة السلمية، ويكون أسلوب السيف هذا مؤقتا لإزالة العقبات التي تقف حائلا أمام تعريف الشعوب بعقيدة الإسلام.
وبهذه الأهداف السامية والغايات العالية انطلقت حركة الفتوحات الإسلامية منذ زمن النبي ﷺ، وتابعت مسيرتها في عصر الخلفاء الراشدن، "وظلت عجلتها تدور وتلف البلاد من حول ديار الإسلام، لا تترك بلدا لفقره وجذبه، إلى آخر لغناه وخصبه، وإنما كانت تبدأ بها أولا باول، تحاول في دأب وصبر واجتهاد أن تنقله من الشرك والوثنية إلى الإسلام وعقيدة التوحيد الخالصة"٢ ولم يوقف حركة الفتوحات الإسلامية في زمن الراشدين إلا أحداث الفتنة التي شهدتها المراحل الأخيرة من خلافة عثمان بن عفان ﵁، وما تلاها من حروب داخلية بني الخليفة الراشد علي
_________
١ د. محمد عبد الحميد الرفاعي: الطابع الإسلامي للدولة الأموية "ص٢١٣" -ط دار الثقافة العربية، القاهرة ١٩٩٢م.
٢ د. محمد ضيف الله بطاينة: دراسات في تاريخ الخلفاء الأمويين "ص٢١٩" ط دار الفرقان، عمان، الأردن، ١٩٩٩م.
1 / 3
ابن أبي طالب ﵁، وبين معاوية بن أبي سفيان ﵁ الوالي على الشام حينئذ. ولقد أدت هذه الفتنة إلى انشغال المسلمين بأنفسهم عن مواصلة الفتح وتثبيت أقدامهم في البلاد التي فتحوها، وعن نشر الدعوة الإسلامية، "مما يعكس الأثر السلبي للخلافات الداخلية على وضع الدولة الإسلامية الناشئة. وهذه السلبية سوف تصبح نمطا يتكرر مرات عديدة في التاريخ الإسلامي، حيث أضحت الخلافات الداخلية عاملا مهددا لوجود ومكانة الدولة، خاصة في فترات الضعف"١.
وبعد خمس سنوات من الفتنة "٣٥-٤٠هـ" -تعثرت خلالها حركة الفتوحات الإسلامية وظلت تتردد في الضعف- اجتمع المسلمون على معاوية بن أبي سفيان ﵁ سنة "٤١هـ" -وهو العام المعروف بعام الجماعة- وطوت الأمة الإسلامية هذه الصفحة الحزينة من النزاع والخلاف، واستعادت قوتها من جديد، وانطلقت الحركة من عقالها، منتشرة -كالعادة- في جميع الجهات، ومكتسحة العالم القديم شرقه وغربه.
ولقد نجح معاوية ﵁ في جمع شمل الأمة قبل أن تتفتت تماما، وبعد أن كاد الأمل يضيع في إمكانية الحفاظ على الوعاء الذي يوحد الأمة، ويحفظ الشريعة، فأقام دولة قوية استطاع أن يبدأ بها مرحلة نشطة في العلاقات الدولية والتي كان قطباها حينئذ هما: الدولة الأموية، والدولة البيزنطية٢.
وفي ظل الدولة الأموية استأنف المسلمون اكتساحهم لقارات العالم القديم "آسيا -إفريقيا- أوروبا" فأحيوا حركة الفتوحات الكبرى، متوغلين في أقطار الدولة البيزنطية حتى مياه "البوسفور" واستولوا على معظم الجزر الواقعة شرقي البحر المتوسط وغربيه وجنوبيه وواصلوا ضغطهم على مدينة "القسطنطينية" عاصمة الدولة البيزنطية، وحاصروها أكثر من مرة. كما أنهم فتحوا شرق العالم حتى اقتربوا من حدود الصين، واستكملوا فتح الشمال الإفريقي كله، من حدود مصر الغربية إلى
_________
١ د. نادية محمود مصطفى: الدولة الأموية دولة الفتوحات "ص٧-٨" وهو الجزء الثامن من موسوعة العلاقات الدولية في التاريخ الإسلامي -ط المعهد العالمي للفكر الإسلامي ١٩٦٦م.
٢ نادية مصطفى: المرجع السابق ص (٨) .
1 / 4
المحيط الأطلسي، ثم عبروا المضيق الذي عرف بـ "جبل طارق" إلى القاهرة الأوروبية ففتحوا إسبانيا، ووصلوا إلى نهر "اللورين" جنوبي فرنسا.
ويعتبر النشاط الحرب خلال العصر الأموي من الصفحات المشرقة في تاريخ الأمويين، وعملا من أعمال البطولة والمجد تحسب لدولتهم، وتعطي لها أهمية بالغة، ومكانة مرموقة في التاريخ الإسلامي، بل نكاد نقول: إن الأعمال الحربية التي خاضها القادة العظام في عصر الخلافة الأموية -سواء أكانوا من البيت الأموي "كمحمد بن مروان، وابنه مروان، ومسلمة بن عبد الملك" أم من غير الأمويين "كعقبة بن نافع، وموسى بن نصير، ومولاه طارق بن زياد، وقتيبة بن مسلم" ومحمد بن القاسم، وغيرهم"- تعد علامة بارزة في الفن العسكري العالمي، فلقد حقق هؤلاء القادة المجاهدون ما يشبه الخوارق بمقياس عصرهم، إذ تمكنوا -من خلال زمن وجيز- من الانتشار في أرجاء العالم المعروف آنذاك١.
وقد توزعت فتوحات الدولة الأموية على ثلاث جبهات كبرى في وقت واحد، مما يدلل على أن السياسة الحربية الفتحية كانت هي نشاط الأمويين الأساسي:
وأول هذه الجبات: "بيزنطة" باعتبارها مركز القوة الرئيسية التي كانت ولا تزال في موقف التهديد المباشر لبلاد الإسلام في المجالين البري والبحري على السواء.
وثانيهما: في اتجاه الشمال الإفريقي "بلاد المغرب"، وهو ميدان بيزنطي أيضا في صبغته الرسمية، وإن تجرد من القدرة على التهديد المباشر للنفوذ الإسلامي، وتميز بوجود عامل جديد مؤثر، هو العامل المحلي المتمثل في "البربر" سكان البلاد الأصليين.. وانطلاقا من هذا الميدان امتدت جهود الفاتحين إلى "شبه جزيرة إيبيريا" "إسبانيا" وجنوب فرنسا.
أما الميدان الثالث: فكان في اتجاه الشرق: الشمالي والجنوبي، حيث مواطن الأتراك والهنود وبقايا الفرس.
وفي الصفحات الآتية حديث موجز عن هذه الميادين الحربية، دون التعرض
_________
١ د. محمد محمد عامر: عصر الخلافة الأموية بداية التغييرات في التاريخ الإسلامي "ص١٦٢" ط القاهرة ١٩٨٢م.
1 / 5
للتفصيلات التي تحفل بها المراجع المختلفة، مكتفين بما يساعد على توضيح اتجاهات الفتوح، ويربط بينها وبين الأحادث التي جرت في مركز الدولة الإسلامية أو قريبا منها، مع الاستعانة بالخرائط التوضيحية التي تعرف بمواقع الأحداث. ونبدأ أولا بالحديث عن الفتوحات في الجبهة الشرقية، ثم في الجانب البيزنطي ثم الشمال الإفريقي، وشبه الجزيرة الإيبيرية "إسبانيا" وجنوب فرنسا.
أولًا: الفتوحات في الشرق مدخل ... أولا: الفتوحات في الشرق تشمل الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية المناطق الواقعة شرق العراق. وقد اتسمت الأمم التي كانت تقطن تلك المناطق بالتعدد جنسا وحضارة، وإن اتفقت جميعها في الوثنية. وكان المسلمون حتى خلافة عثمان ﵁ قد أتموا فتح البلاد التي تقع بين العراق ونهر "جيحون" "وهو نهر آموداريا الذي يقع -الآن- على الحدود بين تركمانستان وأزبكستان" أي كل أقاليم دولة إيران الساسانية، وتضم منطقة الجبال و""الري"، و"جرجان" و"طبرستان" و"وقوهستان" و"خراسان" و"فارس" و"كرمان" و"مكران" و"سجستان". فلما استشهد عثمان ﵁ ووقعت الفتنة تعثرت الفتوح، وخرج أهل هذه البلاد عن الطاعة، حتى إذا التأمت جماعة المسلمين أخذت الدولة الأموية تبذل جهودا بالغة لإعادة البلاد المفتوحة إلى الطاعة، وكانت مهمة معاوية بن أبي سفيان ﵁ العاجلة في الشرق فور توليه الخلافة هي تدعيم القوة الإسلامية، وإعادة توطيد أقدام المسلمين هناك، وقد نجحت الدولة الإسلامية في عهده في فتح معظم "خراسان" على يد أميرها عبيد الله بن زياد، وكان معاوية قد ولاه على البصرة والكوفة "٥٣-٥٩هـ"، وعمل هذا الأمير على مد حركة الفتح إلى بلاد ما وراء النهر، وغزا "بيكند" و"بخارى" من بلاد الصغد، واضطرهما إلى دفع الجزية، ثم قف راجعا إلى البصرة. ويبدو أنه أقم على عبور نهر "جيحون" إلى ما ورائه من البلاد بعد أن أسلمت خراسان قيادها للمسلمين وعز فيها الإسلام. وقد كانت هذه الفتوحات في المنطقة الشرقية تسير في خطين: أحدهما: شمالي إلى بلاد ما وراء النهر. والآخر: جنوبي إلى بلاد السند.
أولًا: الفتوحات في الشرق مدخل ... أولا: الفتوحات في الشرق تشمل الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية المناطق الواقعة شرق العراق. وقد اتسمت الأمم التي كانت تقطن تلك المناطق بالتعدد جنسا وحضارة، وإن اتفقت جميعها في الوثنية. وكان المسلمون حتى خلافة عثمان ﵁ قد أتموا فتح البلاد التي تقع بين العراق ونهر "جيحون" "وهو نهر آموداريا الذي يقع -الآن- على الحدود بين تركمانستان وأزبكستان" أي كل أقاليم دولة إيران الساسانية، وتضم منطقة الجبال و""الري"، و"جرجان" و"طبرستان" و"وقوهستان" و"خراسان" و"فارس" و"كرمان" و"مكران" و"سجستان". فلما استشهد عثمان ﵁ ووقعت الفتنة تعثرت الفتوح، وخرج أهل هذه البلاد عن الطاعة، حتى إذا التأمت جماعة المسلمين أخذت الدولة الأموية تبذل جهودا بالغة لإعادة البلاد المفتوحة إلى الطاعة، وكانت مهمة معاوية بن أبي سفيان ﵁ العاجلة في الشرق فور توليه الخلافة هي تدعيم القوة الإسلامية، وإعادة توطيد أقدام المسلمين هناك، وقد نجحت الدولة الإسلامية في عهده في فتح معظم "خراسان" على يد أميرها عبيد الله بن زياد، وكان معاوية قد ولاه على البصرة والكوفة "٥٣-٥٩هـ"، وعمل هذا الأمير على مد حركة الفتح إلى بلاد ما وراء النهر، وغزا "بيكند" و"بخارى" من بلاد الصغد، واضطرهما إلى دفع الجزية، ثم قف راجعا إلى البصرة. ويبدو أنه أقم على عبور نهر "جيحون" إلى ما ورائه من البلاد بعد أن أسلمت خراسان قيادها للمسلمين وعز فيها الإسلام. وقد كانت هذه الفتوحات في المنطقة الشرقية تسير في خطين: أحدهما: شمالي إلى بلاد ما وراء النهر. والآخر: جنوبي إلى بلاد السند.
1 / 6
١- بلاد ما وراء النهر:
أطلق المسلمون اسم "بلاد ما وراء النهر" على البلاد التي يفصلها نهر "جيحون" عن "خراسان" وهي التي تقع وراءه من جهة الشرق والشمال. وتعرف الآن باسم "آسيا الوسطى" الإسلامية، وتضم خمس جمهوريات إسلامية كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي، ثم من الله عليهم فاستقلوا بعد انهياره. وهذا الجمهوريات هي الآن "أوزبكستان" و"طاجيسكتان" و"قازاخستان" و"تركمانستان" و"قرغيزيا".
وتقع بلاد "ما وراء النهر" بين نهر "جيحون" "أموداريا" جنوبا، ونهر "سيحون" "سرداريا -يقع الآن في كازاخستان" شمالا. ويطلق عليها -أحيانا- بلاد "الهياطلة" وكان أهلها وثنيين من أصول تركية، حلوا بها منذ القرن السادس الميلادي١. وتتميز بوفرة المياه، لوجود نهري "جيحون" و"سيحون" وروافقدهما الكثيرة، مما ساعد على خصوبة المنطقة وكثرة الزراعة والعمارة فيها، واجتذاب السكان إليها.
ويمكن تقسيمها -عند الفتح الإسلامي- إلى عدة أقاليم أو ممالك مستقلة، هي٢:
١- إقليم "طخارستان"، ويقع على صفتي نهر "جيحون". وعاصمة "بلخ".
٢- إقليم "الصغد" ومن أشهر مدنه: "بخارى" وسمرقند".
٣- إقليم "خوارزم". ويشمل على دلتا نهر "جيحون". وعاصمته: مدينة "الجرجانية".
_________
١ راجع "معجم البلدان" لياقوت الحموي -مادة "هيطل".
٢ راجع: مسالك الممالك، للاصطخري ص"٢٩٥"، والجزء الثاني من "موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي" بعنوان "العصر الأموي -للدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف- ص"٣٠" وراجع: دراسة في تاريخ الدولة الأموية، للدكتور محمد ضيف الله بطاينة، ص"٢٢١". وراجع: بلدان الخلافة الشرقية، تأليف: لي سترنج، ص"٧٨٩".
1 / 7
٤- إقليم "الختل" في أعالي نهر "جيحون". وعاصمته مدينة "هلبك". ومن مدنه: "أشجرد" و"الصغانيان".
وكانت هذه الممالك الأربعة تسمى بالممالك "الجيحونية".
٥- إقليم "فرغانة"، على نهر "سيحون". وتعرف اليوم باسم "خوقند".
٦- "إقليم الشاش" على نهر سيحون أيضا، وتعرف اليوم باسم "طشقند" "عاصمة كازاخستان الآن".
ومن مدة هذين الإقليمين الأخيرين: "خجندة" و"إيلاق" و"إسبيجاب".
ومن الجدير بالذكر أن الترك الذين واجههم المسلمون في هذه البلاد -بلاد ما وراء النهر الواقعة بين بلاد إيراه وبلاد المغول- كانوا أجناسا، وكان أول جنس قابلوه هو جنس "الهياطلة" "Heptalirtes"، وكانوا قسمين كبيرين:
١- قبائل الشمال، وهي التي تسمى في الغالب باسم "الهياطلة"، ويلقب ملكهم بـ "الزونبيل"، وهذا اللقب يقرأ أحيانا "الرتبيل" خطأ.
٢- قبائل الجنوب، وهي التي تسمى بالزابليين، وقد استقروا في إقليم، "زابلستان" "راجع الخريطة"، وأعطوه اسمهم.
ولم يكن "الهياطلة" هم الجنس التركي الوحيد الذي دخل المسلمون في صراع معه في هذه المرحلة من مراحل بنائهم للدولة الإسلامية، بل كان هناك الترك "البختيون"، ويسمون في غير العربية باسم "البكتريين" نسبة إلى إقليم "باكتريا" الذي سكنوه. وعندما دخل المسلمون في صراع مع الترك قاتلوا "البختيين" في نفس الوقت الذي قاتلوا فيه الهياطلة، وكلا الفريقين ينتمي إلى الأتراك "الغزية"١.
وقد طرق المسلمون هذه البلاد عدة مرات منذ خلافة عثمان بن عفان ﵁ "٢٣-٣٥هـ"، وغزاها -في خلافة بني أمية- عدد من القادة المسلمين إلى سنة "٨٦هـ" منهم: عبيد الله بن زياد، وسعيد بن عثمان بن عفان، والمهلب بن أبي صفرة، وولديه: يزيد والمفضل، ولم تسفر حملات هؤلاء القادة عن فتح
_________
١ أطلس التاريخ الإسلامي للدكتور حسين مؤنس ص "١٣٠-١٣١".
1 / 8
وقد انعكست الخلافات والانقسامات التي أعقبت موت معاوية بن أبي سفيان من "سنة ٦٠هـ" إلى سنة "٧٢هـ" على الفتوح في هذه المنقطة، وأصبح المسلمون في موقف دفاعي، حيث اغتنم الترك انشغال المسلمين بهذا الخلاف، فكانوا يغيرون على ديار الإسلام، ويحرضون أهل الصلح من البلاد على الثورة، وبلغوا في بعض هجومهم إلى قرب "نيسابور" في خراسان، وفقد المسلمون كثيرا من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها١.
"فما أن تمكن عبد الملك بن مروان "٦٥-٨٦هـ" من القضاء على مناوئيه حتى بدأ يولي الفتح الاهتمام الواجب، وكان ولادته على إقليم العراق هم مفتاح النجاح على الجبهة الشرقية، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ولي على العرق والمشرق "سنة ٧٥هـ" ذا فضل كبير بسبب شدته وصرامته في تحقيق قدر كبير من الاستقرار في العراق -ولو ظاهريا- مكن من خروج الحملات العسكرية نحو الأقاليم الشرقية"٢. وقد اضطلع بعبء هذه الفتوح ثلاثة من قادة الحجاج المشهورين، وهم: المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وقتيبة بن مسلم الباهلي، ومحمد ابن القاسم الثقفي.
أما المهلب بن أبي صفرة فقد ولاه الحجاج على خراسان سنة "٧٨هـ"، وقام بفتوح واسعة فيما وراء النهر، وغزى مغازي كثيرة، ففتح مدينة "كش" في مملكة "الصغد"، ووجه منها حملة بقيادة ابنه "يزيد" إلى ملك "الختل" واضطره إلى دفع الجزية. كما فتح يزيد قلعة "نيزك" بإقليم "بادغيس" بين "مرو" و"هرات"، وغزا "خوارزم"، واستطاع المهلب وأبناؤه في مدة عامين تقريبا -أن يعيد هيبة المسلمين في المنطقة، وإن كان لم يوفق في إقامة قواعد ثابتة هناك٣.
_________
١ راجع: تاريخ خليفة بن خياط ص"٢٢٢، ٢٢٤"، وفتحو البلدان للبلاذري، ص"٥٠٧، ٥٠٩"، وتاريخ الطبري "٥/ ٢٩٨". وراجع: دراسات في تاريخ الخلفاء الأمويين، للدكتور بطاينة ص"٢٢٢، ٢٢٣".
٢ الدولة الأموية دولة الفتوحات، نادية محمود مصطفى "ص٤٨".
٣ تاريخ خليفة بن خياط "ص٢٧٩"، تاريخ اليعقوبي "٢/ ٢٧٣"، فتوح البلدان ص"٥١١-٥١٤"، تاريخ الطبري "٦/ ٣٢٠، ٣٢٥".
1 / 10
فتوحات قتيبة بن مسلم في بلاد ما وراء النهر:
أما المرحلة الحاسمة في الفتح والاستقرار فقد بدأت مع تسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" قيادة جيوش الفتح وولاية إقليم خراسان وبلاد الشرق "سنة ٨٥هـ" وظل واليا عليها إلى سنة "٩٩هـ"، وقد كانت الظروف مواتية له تماما، فالدولة الأموية كانت عندئذ في أحسن حالاتها استقرارا وهدوءا وثراء عريضا، فاجتمع لقتيبة مهارة القائد وعزم الوالي "الحجاج بن يوسف الثقفي" وتشجيعه، وقوة الدولة وهيبتها، فكانت فتوحاته العظيمة في بلاد "ما وراء النهر".
ولم يكن "قتيبة" قائدا عسكريا فحسب، بل كان إلى جانب ذلك رجل دولة، وصانع سياسة، وواضع نظم وإدارة، فعمل بعد تسلمه أمور الولاية على القضاء على الخلافات العصبية التي كانت تعصف بالقبائل العربية في "خراسان"، من جراء التنافس على الولايات، وجمع زعماءهم على كلمة واحدة تحت الجهاد، كما أنه عمل على كسب ثقة أهل "خراسان" الأصليين، فأحسن إليهم، وقربهم، وعهد إليهم بالوظائف، فاطمأن الجميع إليه، ووثقوا به وبقيادته١.
سار قتيبة على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجميع، غير أنه امتاز على المهالبة بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة، ويحدد لها وجهة معينة، ويجتهد في الوصول إلى ما يقصده، غير عابئ بالمصاعب، معتمدا على الله ﷿، ثم على بسالته النادرة، وروح القيادة التي امتاز بها، وإيمانه العميق بالإسلام.
ولقد مرت خطوات "قتيبة" في فتح تلك البلاد -على مدى عشر سنوات "٨٦-٩٦هـ"- عبر مراحل أربع، حقق في كل منها فتح ناحية واسعة فتحا نهائيا، وثبت أقدام المسلمين والإسلام فيها. وهذه المراحل هي٢:
_________
١ د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العصر الأموي "الجزء الثاني من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي- ص٣٠-٣١".
٢ راجع: د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العصر الأموي "موسوعة سفير ٢/ ٣١". أطلس تاريخ الإسلام للدكتور حسين مؤنس "ص١٣١".
1 / 12
المرحلة الأولى "٨٦-٨٧هـ": وفيها أخضع "قتيبة بن مسلم" إقليم "طخارستان" الواقع على ضفتي نهر "جيحون". ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت للمسلمين تماما منذ أن فتحه "الأحنف ابن قيس" في خلافة عثمان بن عفان. وكانت تلك بداية ناجحة من "قتيبة"؛ فبدون توكيد أقدامه في "طخارستان" لم يكن ممكنا أن يمضي لفتح "ما وراء النهر". وقد أصبح يتمتع بهيبة كبيرة في تلك البلاد، فما إن يسمع الملوك بمسيره إليهم حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح.
المرحلة الثانية "٨٧-٩٠هـ": وفيها فتح "قتيبة" إقليم "بخارى" كله بعد حروب طاحنة وانتظام حملاته عليها.
المرحلة الثالثة "٩١-٩٣هـ": وفيها أكمل فتح حوض جيحون" كله وأتم فتح "سجستان" "٩٢هـ"، وإقليم "خوارزم" "٩٣هـ". وتوج عمله بالاستيلاء على "سمرقند" أعظم مدن ما وراء النهر كلها.
ومن جميل ما يروى في فتح سمرقند أن المسلمين حينما دخلوها أخرجوا ما فيها من الأصنام وأحرقوها، وكان أهل سمرقند يعتقدون أن من استخف بها هلك، فلما أحرقها المسلمون ولم يصابوا بأذى أسلم من أهلها خلق كثير.
المرحلة الرابعة "٩٤-٩٦هـ": وفيها عبر قتيبة "نهر سيحون"، وفتح الممالك السيحونية الثلاث: "الشاش" و"أشروسنة" و"فرغانة" ثم دخل أرض الصين، وأوغل في مقاطة "سنكيانج"، ووصل إلى إقليم "كاشغر" وجعلها قاعدة إسلامية، وتهيأ لفتح الصين لولا أن وفاة "الحجاج بن يوسف الثقفي" "٩٥هـ"، والخليفة "الوليد بن عبد الملك" "٩٦هـ" جعلته يتوقف عند هذا الحد، لكنه أجبر ملك الصين على دفع الجزية١.
ونذكر هنا ثلاث ملاحظات جديرة بالتسجيل وهي:
١- لقد كان أهل هذه البلاد جاهلين بحقيقة الإسلام، وتصوروا أن المسلمين إنما
_________
١ راجع: تفاصيل الحروب والمعارك التي خاضها قتيبة في بلاد ما وراء النهر: تاريخ الطبري "٦/ ٤٢٥، ٤٣٢، ٤٣٦-٤٣٧، ٤٥٥، ٤٦٣، ٤٧٠، ٤٧٣، ٤٨٠، ٥٠٣، ٥٠٤" فتوح البلدان للبلاذري "ص٥١٦، ٥١٨، ٥٢١، ٥٢٢". تاريخ اليعقوبي "٢/ ٢٨٧".
1 / 14
جاءوا للاستيلاء على خيرات بلادهم، الأمر الذي جعلهم يقاومون بشراسة، لكنهم لما عرفوا أن المسلمين ليسوا غزاة، وإنما هداة يحملون إليهم الإسلام أقبلوا على اعتناقه والإيمان بمبادئه. يقول المستشرق المجري "أرمينوس فامبري": "إن بخارى التي قاموت العرب في البداية مقاومة عنيفة قد فتحت لهم أبوابا لتستقبلهم ومعهم تعاليم نبيهم محمد ﷺ، تلك التعاليم التي قوبلت أول الأمر بمعارضة شديدة، ثم أقبل القوم عليها بعد ذلك في غيرة شديدة حتى لنري الإسلام -الذي أخذ شأنه يضعف اليوم في جهات آسيا الأخرى- وقد غدا في بخارى اليوم "١٨٧٣م" على الصورة التي كان عليها أيام الخلفاء الراشدين١.
٢- كان السكان في هذه المناطق يرضون بالصلح أو يعتنقون الإسلام ظاهريا في بداية الأمر كما أسلفنا، وما إن ينصرف الجند المسلمون حتى ينقضوا العهد أو يرتدوا عن الإسلام. وهذا يظهر بوضوح مدى منطقية مفهوم "عقبة بن نافع" -فاتح "إفريقية" ومؤسس مدينة "القيروان" فيها -بضرورة أن يكون الفتح معنويان، وليس عسكريا، فالفتح المعنوي يحتاج إلى وجود مسلمين مقيمين في المنطقة بعد فتحها يفتحون القلوب بالإيمان والعلم. أما الفتح العسكري فيتم بواسطة الجند الذين يرتحلون بعد نجاح المهمة العسكرية فلا يحققون شيئا في الواقع إلا فتح الأرض التي تنقض عليهم فور انسحابهم٢.
٣- لا شك أن قيادة "قتيبة بن مسلم" الفذة وخططه العسكرية المحكمة، ودعم القيادة العليا له -ممثلة بالحجاج في العراق، والخليفة عبد الملك، ثم ابنه الوليد في الشام- إضافة إلى ما كان من طاقات إيمانية عند الجند: جعل النصر حليف المسلمين في هذا الميدان، وقد ساعد ذلك -مع المعاملة الطيبة لأهل البلاد- على تحويل المنطقة إلى دار إسلام٣.
وبوفاة "قتيبة بن مسلم" توقفت فتوحات المسلمين على هذه الجبهة عند الحد
_________
١ د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العصر الأموي "الجزء الثاني من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي -ص٣١".
٢ نادية محمود مصطفى: الدولة الأمورية دولة الفتوحات، ص"٥٠".
٣ د. محمد ضيف الله بطاينة: دراسات في تاريخ الخلفاء الأمويين ص"٢٢٧".
1 / 15
الذي تركها هو عليه، ذلك أنه لما تولى "يزيد بن المهلب بن أبي صفرة" على خراسان -ولاه عليها الخليفة سليمان ابن عبد الملك سنة "٩٧هـ"- وجه همه إلى فتح "جرجان" و"طبرستان"ن ولم يكن المسلمون قد وطأوا أيهما من قبل، وذلك حتى يحقق فتحا يغبط سليمان كما كانت نجاحات "قتيبة" تغبط الوليد. ولقد استطاع "يزيد" أن يفتح "جرجان" بالفعل صلحا، ثم توجه إلى "طبرستان"، ولكنه هناك، فنقض أهل "جرجان" عهدهم، فعاد وحاربهم وفتحها هذه المرة عنوة١.
ولقد ظل الجهاد والاستعداد للغزو قائما في هذا الجانب من العالم إلى نهاية حكم بني أمية، ومما يلاحظ في هذا الميدان أن الترك الذين ظلوا ينزلون خارج دائرة سلطان المسلمين من بلاد ما وراء النهر كانوا -بعد فتوحات قتيبة بن مسلم- لا ينفكون يهجمون على المناطق التي دخلت في سلطان المسلمين، ويحرضون أهلها على الثورة والعصيان، فكان المسلمون يقومون بإخضاعهم وإعادة البلاد إلى الطاعة٢.
ولا شك أن هذا الميدان كان من أشد الميادين قتالا، ولم يكن دار حرب أشد من بلاد الترك، ولكنها تحولت بعد الجهود المتوالية إلى دار إسلام، وأصبحت في فترة تالية كعبة العلم والعلماء، ونشأت فيها مراكز علمية وحضارية مثل: بخارى، وبلخ، وسمرقند، ونيسابور، وهراة، ومرو، والري، وجرجان، وسرخس، وطبرستان، وغيرها. وخرجت هذه المدن عددا هائلا من العلماء استضاءت بهم الأمة، وملأت أسماؤهم سمع الدنيا وبصرها. واليوم تتوزع هذه البلاد بين إيران وأفغانستان. أما الجزء الأكبر منها فيقع في الجمهوريات الإسلامية الخمسة في آسيا الوسطى فازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وقيرغيزيا٣.
_________
١ تفاصيل الأحداث في تاريخ الطبري "٦/ ٥٤١-٥٤٤".
٢ راجع تفاصيل معارك ما بعد قتيبة بن مسلم إلى أواخر عصر بني أمية في ميدان "ما وراء النهر": تاريخ الطبري "٦/ ٦٠٥، ٦٠٧، ٧/ ٨، ١٤، ٦٥، ٧١، ١١٣، ١١٤، ١٧٦، ١٩٢" وفتوح البلدان للبلاذري، ص "٣٠١، ٥١٩، ٥٢٥، ٥٢٧". تاريخ اليعقوبي "٢/ ٣٠٢، ٥٢٤".
٣ من أجل معرفة المزيد عن بلاد خراسان وما وراء النهر في العصر الحاضر انظر: كتاب "حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة" للدكتور جميل عبد الله محمد المصري "ط مكتبة العبيكان -الرياض ١٩٩٦م".
1 / 16
٢- فتح بلاد السند "حملات محمد بن القاسم":
انقسمت شبه القارة الهندية في القديم إلى قسمين جغرافيين كبيرين، هما: "بلاد السند والبنجاب" و"بلاد الهند".
وبلاد السند هي البلاد المحيطة بنهر السند "Indus"، الذي كان يسمى من قبل بـ "نهر مهران"، وينبع من عيون في أعالي السند وجبالها من أرض قشمير "كشمير"، ويصب في بحر السند "المحيط الهندي". وتمتد هذه البلاد غربا من إيران، إلى جبال "الهمالايا" في الشمال الشرقي، تاركة شبه القارة الهندي في جنوبها. وتكون -الآن- جزءا كبيرا من دولة باكستان الحالية.
ومن مدن السند: مدينة "الديبل" "مكان كراتشي الحالية"، "قندابيل"، و"قيقان"، و"لاهور"، و"قصدار"، و"الميد"، و"الملتان" المجاورة للهند، وتقع على أعلى رافد من روافد نهر مهران.
وكان العرب يطلقون على "السند" من الأسماء: "ثغر الهند"، لأنه كان في ذلك الوقت المعبر إلى بلاد الهند١.
وقد سبق الفتح المنظم لبلاد "السند" سلسلة من الحملات والغزوات قام بها المسلمون، لمعرفة طبيعة البلاد وجمع المعلومات عنها، كما حدث لبلاد ما وراء النهر. وكانت البداية مبكرة في عهدة الخليفة عمر بن الخطاب ﵁، وتتابعت الغزوات بعده في خلافة كل من عثمان وعلي معاوية ﵁، وحقق المسلمون فيها انتصارات عديدة، وغنموا مغانم كثيرة، إلى أن جاء عهد الوليد ابن عبد الملك "٨٦-٩٦هـ"، فجاء عهد الفتح المنظم لهذه البلاد.
وبعد أن استقام الأمر للحجاج بن يوسف الثقفي في جنوبي بلاد فارس، وتوطدت أقدام المسلمين هناك، وقضى على تمرد الملك "رتبيل" ملك سجستان، وأخضع بلاده بدأ يعد العدة لفتح إقليم "السند" نهائيا، فأرسل عدة ولاة قتلوا في
_________
١ راجع: أطلس التاريخ الإسلامي، للدكتور حسين مؤنس "الخريطة ص١١٨" دراسات في تاريخ الخلفاء الأمويين، للدكتور بطاينة ص"٢٣٦" موسوعة التاريخ الإسلامي للدكتور أحمد شلبي "الجزء الثاني: الدولة الأموية ص١٣٩".
1 / 17
الغزو واحدا بعد آخر، إلى أن استقر رأيه على تعيين قائد كبير أسند إليه هذه المهمة وهو ابن أخيه وصهره "محمد بن القاسم الثقفي"، الذي عرف بفاتح السند، وكان واليا على فارس في سن السابعة والعشرين من عمره، وجهزه بما يكفل له النكاح من عدة وعتاد، وأمده بستة آلاف جندي من أهل الشام، إضافة إلى ما كان معه من الجنود، فاجتمع تحت قيادته نحو عشرين ألفا في تقدير بعض المؤرخين، وأنفق الحجاج على الجيش ستين ألف ألف "٦٠.٠٠٠.٠٠٠" درهم.
ويمكن تلخيص مراحل الفتح التي قام بها محمد بن القاسم في الخطوات الآتية:
١- سار محمد بن القاسم بجنده من "شيراز" إلى "مكران"، وأقام بها أياما واتخذ منها قاعدة للفتح ونقطة انطلاق، ثم فتح "قنزابور"، ثم "أرمائيل".
٢- تقدم لفتح "الديبل"، وتقع -الآن- قريبة من كراتشي في باكستان، وجعل عتادة أزواده في سفن أرسلها بالبحر من "أرمائيل"، وحاصر "الديبل"، ونصب عليها المنجنيق، وفتحها بعد قتال عنيف دام ثلاثة أيام، وهدم "البد" الكبير بها، وكل "بد" آخر "والبد: كل تمثال أو معبد لبوذا" ثم حولها إلى مدينة إسلامية، وأزال منها كل آثار البوذيةن وبنى بها المساجد وأسكنها أربعة آلاف مسلم.
٣- كان لفتح المسلمين مدينة "الديبل" أثر كبير على أهل "السند" فسارعوا يطلبون الصلح، فصالحهم محمد بن القاسم ورفق بهم، ثم سار إلى مدينة "البيرون" "حيدار أباد السند حاليا" فصالح أهلها، وجعل لا يمر -بعد- بمدينة إلا فتحها صلحا أو عنوة، حتى بلغ نهر "مهران"، فعبر النهر، وفاجأ "داهر" ملك السند، والتقى معه في معركة حامية "٩٣هـ" قتل فيها الملك، وانقض جمعه. وبمقتله استسلمت بقية بلاد السند، وأصبحت جزءا من بلاد الإسلام.
٤- مضى محمد بن القاسم يستكمل فتحه، فاستولى على مدن وحصون كثيرة إلى أن اجتاز نهر "بياس" واقتحم مدينة "الملتان" في إقليم البنجاب "راجع الخريطة" في جيش عداده خمسون ألفا من الجنود والفرسان "عشرهم فقط من الجيش الأصلي
1 / 18
الفاتح، ومعظمهم ممن انضم إلى المسلمين بعد نجاحهم في المعارك السابقة"، فاستولى على المدينة بعد قتال عنيف، وقضى على كل التماثيل والمعابد البوذية هناك، وغنم مغانم كثيرة من الذهب والفضة، ولهذا سميت "الملتان" بيت "أو ثغر" الذهب.
وقد اتبع ابن القاسم في هذه المدينة ما اتبعه في المدن الأخرى التي فتحها، من حيث التنظيمات المالية والإدارية والعسكرية، فعين الحكام على كورها المختلفة، وترك بها حامية من الجنود، وأخذ العهود والمواثيق على أعيان المدينة بأن يعملوا على استقرار الأمن.
٥- وفي أثناء وجود محمد بن القاسم في "الملتان" جاءه خبر وفاة الحجاج، فاغتم لذلك، لكنه واصل فتوحاته حتى أتم فتح بلاد السند، وجاءته قبائل "الزط" و"الميد" -المعروفين بقطع الطرق البرية والبحرية- مرحبين به، وتعهدوا له بالطاعة والعمل على سلامة الطرق في البر والبحر.
٦- انتهت أعمال ابن القاسم الحربية بإخضاع إقليم "الكيرج" على الحدود السندية الهندية وهزيمة ملكه "دوهر" ومقتله؛ ودخول أهله في طاعة المسلمين١.
وكان محمد بن القاسم يتطلع إلى فتح إمارة "كنوج" "قنوج" "Kanyj" أعظم إمارات الهند والتي كانت تمتد من السند إلى البنغال، فاستأذن "الحجاج" فأذن له، وبينما هو على أتم الاستعداد لذلك كخطوة أولى نحو الوصول إلى "كشمير" وإتمام فتح كل السند والهند إذ وصله موت الحجاج "٩٥هـ"، ومن بعده بستة أشهر الخليفة الوليد عبد الملك "٩٦هـ"، وتولى أخوه سليمان الخلافةن وكان سليمان ينقم على "الحجاج" وصنائعه، لأنه أقر "الوليد بن عبد المملك" على خلع بيعة "سليمان" وعقدها لابنه عبد العزيز بدلا منه، ومن ثم فما أن تولى حتى عزل
_________
١ تفاصيل الأحداث في تاريخ خليفة بن خياط ص"٢٠٦-٢١٣"، ص"٣١٨"، تاريخ اليعقوبي "٢/ ٢٣١-٢٣٤"، ص"٢٨٨-٢٩٠"، فتوح البلدان للبلاذري ص"٥٣٠، ٥٣١، ٥٣٢، ٥٤٠-٥٤٣"، والكامل في التاريخ لابن الأثير "٤/ ٢٥٠، ٢٥١". وراجع: التاريخ والحضارة الإسلامية في الباكستان "السند والبنجاب" إلى آخر فترة الحكم العربي، للدكتور عبد الله جمال الدين ص"٣٤-٧٧"، وأطلس التاريخ الإسلامي للدكتور حسين مؤنس، ص"١٣٢".
1 / 19
محمد بن القاسم عن ولاية السند، وأمر به مقيدا إلى دمشق حيث عذب حتى موت، دون أن يشفع له جهاده في سبيل نشر الإسلام في مناطق استعصت على المسلمين طويلا، بل كان الاعتبار الأهم هو للأهواء الشخصية١.
ويعلق الدكتور عبد الله جمال الدين على مقتل ابن القاسم بقوله: "وإن المرء ليعجب كيف تنتهي حياة ذلك الشاب بهذه الصورة المريرة، وهو الذي فتح كلا بلاد لسند، ونشر الإسلام في كافة أرجائها في فترة قياسية لم تتجاوز السنوات الثلاث؟ كيف يواجه محمد بن القاسم هذا المصير المؤلم ويجزى ذلك الجزاء المهين؟ لقد تضاءلت أمام أعماله الحربية والسياسية عظمة الإسكندر "المقدوني" وشهرته، إذ بينما عجز الإسكندر قبل ألف عام عن الاستيلاء على قسم ضئيل من الهند كان سكانه أقل من ربع السكان زمن ابن القاسم استطاع هذا الفتى أن يخضعها ويلحقها بالدولة الإسلامية من غير كبير عناء. وقد قال مؤرخ إنجليزي: لو أراد ابن القاسم أن يستمر بفتوحاته حتى الصين لما عاقه عائق، ولم يتجاوز أحد من الغزاة فتوحاته إلى أيام الغرنويين. لقد كان واحدا من عظماء الرجال في كل العصور"٢.
ومهما يكن من أمر فقد توقفت الفتوحات في جبهة السند بمجرد مغادرة محمد بن القاسم البلاد، وانكمش المسلمون في المناطق التي تم فتحها من قبل، وتركت الأوضاع السياسية السيئة في عاصمة الخلافة "دمشق" تأثيرها على الاستقرار والأمن في شبه القارة الهندية، فقامت الثورات والفتن في بعض المناطق الخاضعة للمسلمين، وحاول بعض أمراء السند وملوكها الذين قد فروا إلى كشمير وغيرها العودة إلى البلاد، ونجع بعضهم في استعادة سلطانه ونفوذه، مستفيدا من الاضطرابات الداخلية في العالم الإسلامي٣.
ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة "٩٩-١٠١هـ" كتب إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام والطاعة، فدخلت بد السند كلها في طاعة المسلمين، وأسلم
_________
١ راجع الكامل في التاريخ، لابن الأثير "٤/ ٢٨٦، ٢٨٧".
٢ د. عبد الله جمال الدين: التاريخ والحضارة الإسلامية في الباكستان "أو السند والبنجاب" إلى آخر فترة الحكم العربي "ص٨٠، ٨١".
٣ د. عبد الله جمال الدين: المرجع السابق ص"٨١".
1 / 20
أهلها وملوكها وتسموا بأسماء العرب، وبهذا أصبحت بلاد السند بلاد إسلام. ثم عادت واضطرب في أواخر بني أمية، إلى أن انتظمت في خلافة أبي جعفر المنصور -العباسي "١٣٦-١٥٧هـ" وفي أيامه افتتحت "كشمير" ودخلت في دولة الإسلام١.
ولا بد من الإشارة إلى أن الفتح العربي الإسلامي للسند لم يكن فتحا عسكريا فحسب، وإنما -كما حدث في الجبهات الأخرى- تنقلت العشائر العربية إلى هناك، وحمل العرب إلى البلاد نفس أسلوبهم في الحياة، كما انتشرت الثقافة الإسلامية والعربية في المدن التي ستؤسس فيما بعد، مما ساعد على نشر الإسلام والعربية، بل هاجرت إلى الهند نفس الصور الفكرية التي طبعت العالم الإسلامي في القرن الأول الهجري، كما انتقلت إليها فرق ودعايات الخروج والشيعة٢.
_________
١ راجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير "٤/ ٣٢٣" "أحداث سنة ١٠٠هـ"، وأطلس التاريخ الإسلامي لحسين مؤنس، ص"١٣١".
٢ د. عبد الله جمال الدين: مرجع سابق، ص"٨٢، ٨٣".
1 / 21
ثانيا: الفتوحات في الجانب البيزنطي
سيطرة المسلمين على الحوض الشرقي للبحر المتوسط في عصر الراشدين:
كان الروم البيزنطيون أشد أعطاء المسلمين، وأقواهم شكيمة. وقد أدرك معاوية بن أبي سفيان ﵁ هذه الحقيقة حيث قضى أربعين عاما في قتالهم، منذ أن كان واليا على الشام في عهد عمر بن الخطاب ﵁، وإلى وفاته "سنة ٦٠هـ" ولذلك نراه يوصي من بعده بقوله: "شذوا خناق الروم، فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم"١.
وفي إقليم الشام تاخمت حدود الدولة الإسلامية حدود الأمبراطورية البيزنطية، كما جاورت ممتلكات تلك الأمبراطورية سواحل الشامل في حوض البحر المتوسط الشرقي، ومن ثم هدد الخطر البيزني إقليم الشام برا وبحرا.
ويعتبر الانتصار الحاسم الذي أحرزه المسلمون على الجيوش البيزنطية في موقعة "اليرموك" "١٣هـ/ ٦٤٣م" أو "١٥هـ/ ٦٣٦م" نقطة تحول هامة في حركة الفتوح الإسلامية، أدت إلى انهيار قوي الروم، وانفصال الشام عن جسم الامبراطورية البيزنطية. ويذكر المؤرخون أن "هرقل" عندما بلغه نبأ الكارثة التي حلت بجيوشه في معركة "اليوموك" رحل إلى "القسطنطينية"، فلما تجاوز الدرب الذي يصل أرض الشام بأرض "بيزنطة" نظر إلى الأراضي السورية وقال -يودعها بنظرة- "عليك يا سورية السلام، ونعم البلد هذا للعدو"٢.
وعلى إثر هذه المعركة أخذت مدن الشام الكبرى في الشمال والجنوب تتساقط سريعا، الواحدة بعد الأخرى في أيدي المسلمين. ولم يكد هؤلاء ينتهون من فتح
_________
١ تاريخ خليفة بن خياط، ص"٢٣٠".
٢ فتوح البلدان، للبلاذري، تحقيق د. صلاح الدين المنجد -القسم الأول "ص١٦٢" "ط القاهرة ١٩٥٦م". والكامل في التاريخ لابن الأثير "٢/ ٣٤٢"، "ط دار الكتب العلمية، بيروت ١٩٨٧م". وراجع: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام للدكتور السيد عبد العزيز السالم، ودكتور: أحمد مختار العبادي "ص١٣" "ط مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية ١٩٩٣م".
1 / 22
"دمشق" حتى وجهوا جهودهم لفتح المدن الساحلية الشامية والجزر الواقعة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط:
١- فقد استولى عمرو بن العاص ﵁ في بداية فتوح الشام- على موانئ "غزة" و"عسقلان" و"عكا" "سنة ١٥هـ/ ٦٣٦م".
٢- ثم استولى يزيد بن أبي سفيان "الوالي على الشام -قبل أخيه معاوية- في خلافة عمر بن الخطاب" على "صيدا" و"صور" و"بيروت" و"جبيل" "سنة ١٧هـ/ ٦٣٨م".
٣- واستولى عبادة بن الصامت -بأمر من يزيد بن أبي سفيان- على موانئ السواحل الشامية الشمالية، مثل "اللاذقية" و"جبالة"، و"أنطرسوس".
٤- وعندما تولى معاوية بن أبي سفيان إمارة الشام بدأ النشاط البحري الكبير في شرق البحر المتوسط، وأظهر في فتح المنطقة الساحلية عبقرية فذة، وبذل فيها جهودا ذات "بلاء حسن وأثر جميل" على نحو ما شهد له بذلك قادة المسلمين، فاستولى على "قيسارية" "سنة ١٩هـ/ ٦٤٠م". وهي من أهم المدن الساحلية بالشام، ثم على مدينة "طرابلس" التي كانت ميناء "دمشق" ومفتاح حياتها الاقتصاديةن وتتفوق على سائر مدن الشام في حصونها وبهائها١.
٥- وقد اهتم معاوية بغزو جزر البحر المتوسط المواجهة لساحل الشام ليتخذها مراكز أمامية يوجه منها الغزوات البحرية إلى بلاد البيزنطيين نفسها، فاستولى على "أرواد" و"رودس". ثم قاد أول حملة بحرية إسلامية على جزيرة "قبرص"٢، فتوجه إليها من "عكا" "سنة ٢٨هـ/ ٦٤٥م"، وما كادت السفن الإسلامية ترسو إلى ساحلها حتى أذعن أهلها بالطاعة للمسلمين، وصالحهم معاوية على جزية سنوية، واشترط عليهم أن يلتزموا الحياد في الصراع العربي البيزنطي، وأن يبلغوا المسلمين بسير عدوهم من البيزنطيين. فلما كانت "سنة ٣٢هـ/ ٦٥٢م" أعان أهل
_________
١ راجع: الكامل لابن الأثير "١/ ٤٠٤".
٢ تبعد جزيرة "قبرص" عن الساحل السوري "٩٠كم" وعن الساحل التركي "٦٥كم"، وعن الساحل المصري "٤٠٠كم"، وعن الساحل اليوناني "٩٠٠كم"، ويبلغ أقصى طول لها "٢٣٥كم".
1 / 24
قبرص البيزنطيين على الغزاة في البحر بسفن قدموها لهم، فغزاهم معاوية "سنة ٣٣هـ/ ٦٥٣م" في خمسمائة سفينة، وافتتح الجزيرة -في هذه المرة- عنوة، ثم أقرهم على صلحهم الأول، وارسل إليهم اثني عشر ألفا من المسلمين ليقيموا في الجزيرة، ونقل إليها جماعة أخرى من مسلمي بعلبك، فبنوا المساجد والبيوت١.
٦- وقد خاص المسلمون في أواخر العصر الراشدي موقعة بحرية هامة ضد البيزنطيين حسمت السيادة البحرية في حوض البحر المتوسط، وقلبت التفوق البيزنطي لصالح المسلمين، ونعني بها موقعة "ذات الصواري" "سنة ٣٤هـ/ ٦٥٤م". وتذكر المصادر العربية أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح "أمير مصر" خرج بأسطوله البحري من "رشيد" قاصدا أسطول الروم، وفي الوقت نفسه خرج "بسر بن أبي أرطأة" -وهو أحد قادة معاوية- بأسطوله من "صور"، وتلاقى الاثنان في البحر بالقرب من ساحل "ليكيا" "عند فونيكة" -في جنوب أنطاكية- حيث دارات المعركة هناك.
وكان الأسطول البيزنطي مكونا من خمسمائة مركب، أو سبعمائة وقيل "ألف"، في حين كان المسلمون في نحو مائتي مركب، وقد وصف أحد المسلمين المشاركين في المعركة شعوره حين تقابلت الأساطيل الإسلامية مع السفن البيزنطية قائلا: "فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط". ويبدو أن المسلمين أدركوا أن خوض قتال بحري ضد هذه الأعداد الضخمة من السفن المدربة مخاطرة غير مأمونة، فاختروا أن يجعلوها حربا برية في البحر، فربطوا سفنهم المتقاربة في سفن الأعداء، وجعلوا من ظهورها ميدانا بريا للقتال، واشتدت المعركة، وقتل من الجانبين أعداد هائلة، واختلطت دماء القتلى بمياه البحر، فصبغته بلونها الأحمر القاني، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما، وانتهى القتال بانتصار حاسم للمسلمين، وأسفر عن بداية لطور بحري جديد سيطر المسلمون فيه على حوض البحر المتوسط الشرقي على حساب البحرية البيزنطية، وأكسبهم خبرة طيبة في المجال البحري
_________
١ راجع: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام "ص١٣٢-٢٠"، أطلس التاريخ الإسلامي لحسين مؤنس "ص٢٨٥"، الأمويون والبيزنطيون للدكتور/ إبراهيم العدوي "ص٤٧-٥٣". وراجع عن غزو قبرص" تاريخ الطبري "٤/ ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٢"، وتاريخ الكامل لابن الأثير "٢/ ٤٨٨".
1 / 25
العسكري، مما فتح لهم آفاقا جديدة لميادين الامتياز والتفوق في مجابهة دولة الروم المتربصين بهم١.
ويعلق الدكتور إبراهيم العدوي على معركة "ذات الصواري" بقوله: "وتعتبر هذه الوقعة البحرية من المعارك الحاسمة القلائل التي غيرت مجرى تاريخ البحر المتوسط ... إذ قضت على اتصافه بأنه بحرم "الروم"، وجعلته حريا أن يدعى "بحر المسلمين"، فقد انطلقت فيه السفن الإسلامية في حرية تذهب حيثما تريد، رافعة علم الإسلام. وتجلت أولى النتائج الهامة التي ترتبت على هذه المعركة الفاصلة عندما تخلى الإمبراطور البيزنطي "قنسطانز" ومن جاء بعده من الأباطرة عن فكرة طرد المسلمين من البلاد التي استولوا عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، واستعادة ما كان لهم من سالف النفوذ والسلطان هناك، إذ أدرك أولئك الأباطرة أن هذه الفكرة ضرب من الأحلام التي فات أوانها، وأن قدم المسلمين رسخت نهائيا على شاطئ البحر المتوسط الشرقي، فجنحوا إلى الاعتراف بالأمر الواقع، وادخار جهودهم وقوتهم إلى وقت قد يحتاجون فيه للدفاع عن دولتهم وحمايتها من التردي نهائيا في أيد المسلمين"٢.
وخلاصة ما تقدم أن المسلمين استطاعوا -قبل نهاية العصر الراشدي- أن ينتزعوا السيادة البحرية على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وأن تكحون لهم السيطرة الكاملة على سواحل ذلك البحر، من طرابلس الشام، إلى "قرطاجنة" في منطقة "إفريقية"، واستولوا على جزر أرواد" و"قبرص" و"رودس"، تمهيدا لغزو القسطنطينية".
_________
١ راجع تفاصيل عن المعركة: تاريخ الطبري "٤/ ٢٩٠، ٢٩١"، تاريخ البحرية الإسلامية للدكتور السيد عبد العزيز سالم "١/ ٢٨-٣١"، أطلس التاريخ الإسلامي لحسين مؤنس ص"٢٨٥"، والدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين، للدكتور حمدي شاهين "ص٢٥٨-٢٦١"، الأمويون والبيزنطيون، للدكتور إبراهيم العدوي "ص٩٢-٩٩".
٢ الأمويون والبيزنطيون "ص٩٨، ٩٩".
1 / 26