Summary of the Beliefs of the Salaf Imams
مجمل اعتقاد أئمة السلف
Yayıncı
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Baskı Numarası
الثانية
Yayın Yılı
١٤١٧هـ
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
[مقدمة]
مجمل اعتقاد أئمة السلف مقدمة الحمد لله، رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إِلى يوم الدين. أما بعد:
فإِن المُتَتبع لما أُثِر عن سلفنا الصالح في أصول الدين، يجد اتفاقًا في جُلِّ مسائِله، ويجد اعتناءً خاصا بقضايا العقيدة، واهتمامًا بها في التعليم والتوجيه والدعوة. على خلاف ما نراه اليوم في كثير من بلاد العالم الإِسلامي، مما أحدث شيئًا من الاختلاف والتَّخبّطِ لدى بعض الجماعات والطوائف الإِسلامية.
وقد كنت أثرت ذلك الفرق بين منهج السلف وما عليه كثير من المدارس العلمية والتوجُّهات الفكرية في غالب أوطان المسلمين، أثرتُه في مناسبات عدة، ولقاءات وندوات، وكان البعض يستغرب حديثي عن منهج السلف في الاعتقاد واتفاقهم في غالب مسائله، ويود لو جمعت بعض النصوص في ذلك، وبخاصة عن الأئمة الأربعة: أبي حنيفة
1 / 5
النعمان، ومالك بن أنس، ومحمد بن إِدريس الشافعي، وأحمد بن محمد بن حنبل، رحمهم الله تعالى، مما جعلني أجمع في هذه الرسالة بعضًا من هذه النصوص، مضيفًا إِليها نصوصا أخرى لأئمةٍ آخرين معتبرين، كالإِمام البخاري، والطحاوي، وابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم، ﵏ جميعًا، مقدمًا لهذه النصوص بمقدمةٍ عن أهمية توحيد الله في رُبوبيَّتِه، وألوهيَّته، وأسمائه، وصفاته، وكيف بَيَّن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ذلك أتمَّ بيانٍ وأكمله، وكيف خدم علماءُ المسلمين جيلًا بعد جيلٍ العقيدةَ الإِسلامية، وأثر ذلك في مجتمعاتهم إِلى وقتنا الحاضر، حيث قامت الدولة السعودية الأولى على يد مؤسسها الإِمام المجاهد محمد بن سعود، رحمه الله تعالى، على أساس من دعوة الإصلاح؛ التي دعا إليها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ﵀، واستمرت هذه الدولة في أحقابها التالية على ذات المنهج، والذي تجلى في أوضح صورة فيما قام به الإِمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، ﵀، حيث وحَّد المملكة
1 / 6
العربية السعودية، ونهض بها على أساس من عقيدة التوحيد وشريعة الإِسلام.
ورأيتُ من المناسب ختم هذه الرسالة بذكر قواعد عامة مستقاة من منهج أئمة سلف هذه الأمة في دراستهم لمسائل العقائد والتوحيد، واعتمادهم في ذلك على كتاب الله تعالى وسنة رسول ﷺ أولًا وقبل كل شيء، وهذه القواعد منقولة من مقدمة " شرح العقيدة الطحاوية " لابن أبي العز، في طبعته المحققة الصادرة في عام (١٤٠٨ هـ) .
سائلا الله ﵎ أن ينفع بهذه النقول كل من اطلع عليها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد المحسن التركي
1 / 7
[لا إله إلا الله أساس الوجود]
لا إله إلا الله أساس الوجود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وآله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإِن: " لا إِله إِلا الله " هي أساس الوجود:
فما خَلَق الله الجنَّ والإِنس إِلا لتوحيده وعبادته:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]
وما أرسلَ الله الرسل إِلا لتوحيده وعبادته:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]
وما خلق الله في هذا الكون من شيء إلا لتوحيده وتسبيحه:
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤]
ومن لُباب التوحيد: أن يُحمَد الإِلهُ العليّ العظيم الجليل الرحيم على ذلك.
فَنحمدُ الله الذي جعل توحيده أولَ أمرٍ، وأعظم مسألة، وأبقى حقيقة:
1 / 9
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ - اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٢ - ٧]
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ - هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ - وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١ - ٣]
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا - قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا - مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا - وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا - مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ١ - ٥]
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ - يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ [سبأ: ١ - ٢]
1 / 10
﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الجاثية: ٣٦ - ٣٧]
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له:
* شهادة الموقن بوحدانية الله في ربوبيته:
﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ - فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ - وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ - وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ - بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ - لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ٩٥ - ١٠٣]
1 / 11
* وشهادة الموقنِ بوحدانيةِ الله في ألوهيته:
﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١ - ٢]
﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: ٦٥ - ٦٦]
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥]
﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٠]
1 / 12
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠]
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: ١٦٥]
* وشهادة الموقن بوحدانية الله في أسمائه:
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: ١١٠]
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨]
﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٤]
* وشهادةَ الموقن بوحدانيةِ الله في صفاته وأفعاله:
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]
1 / 13
﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى - لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [طه: ٥ - ٦]
﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ [غافر: ١٥]
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ - لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ - يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الحديد: ١ - ٦]
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ - إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ - وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ - ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ - فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٢ - ١٦]
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ - وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ - وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ - وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ - إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ - فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٤٩ - ٥٥]
1 / 14
﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ - وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ - ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ - فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت: ٩ - ١٢]
﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ - وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ - وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: ٤٧ - ٤٩]
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: ١١٥]
﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١]
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٤]
1 / 15
﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧]
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]
ونشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله ومُصطفاه ومُجتباه:
* شهادةَ المؤمن بأن محمدًا رسول الله ﷺ أعظم مَنْ استقر في قلبه توحيدك يا ربنا.
* وشهادةَ المؤمن بأن محمدًا رسول الله ﷺ أعظم من دعا إِلى توحيدك يا إِلهنا.
* وشهادة المؤمن بأن محمدًا رسول الله ﷺ أعظم من نطق لسانه بتوحيدك فقال ﷺ:
«الحمدُ لله الذي وسِعَ سمْعُهُ الأصواتَ» (١) .
«اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخيركَ بعِلمِكَ، وأَستقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ» (٢) .
_________
(١) أخرجه النسائي في كتاب الطلاق، باب الظهار: (٣٤٦٠)، وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (١٨٨)، وأحمد في مسنده: (٦ / ٤٦) من قول عائشة ﵂.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة: (٦٣٨٢)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستخارة: (١٥٣٨)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستخارة: (٤٨٠)، والنسائي في كتاب النكاح، باب كيف الاستخارة: (٣٢٥٣) .
1 / 16
«ارْبَعوا على أَنفسكم، إِنكم لا تَدْعون أَصمَّ ولا غائبًا، إِنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم» (١) .
«اللهمَّ لك الحمدُ، أنتَ ربُّ السماواتِ والأرضِ، لك الحمدُ أنت قيمُ السماوات والأرض ومن فيهنّ، لك الحمدُ، أنت نورُ السماواتِ والأرض، قولك الحقُّ ووعدُك الحقُّ، ولقاؤكَ حقّ، والجنة حقٌ، والنارُ حق، والساعة حقٌ، اللهمًّ لك أسلمتُ، وبكَ آمنتُ، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفرْ لي ما قَدّمتُ وما أخَّرت وأسررْت وأعلنت، أنتَ إِلهي لا إِله لي غيرك» (٢) .
«أَصبَحْنَا على فِطرةِ الإِسلامِ، وعلى كلمة الإِخلاص، وعلى دِين نبيِّنَا محمد ﷺ، وعلى ملَّةِ أَبِيَنَا إِبراهيمَ
_________
(١) أخرجه البخاري واللفظ له، في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر: (٤٢٠٥)، ومسلم في كتاب الذكر، باب استحباب خفض الصوت بالذكر: (٢٧٠٤)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الاستغفار: (١٥٢٦) .
(٢) أخرجه البخاري واللفظ له، في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وهو الذي خلق السماوات. . .): (٧٣٨٥)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل: (٢٧١٧) .
1 / 17
حَنيفًا مُسلمًا، وما كَانَ مِنَ المُشرِكينَ» (١) .
«أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِله إِلا الله، وأَن محمدًا رَسولُ الله. . .» (٢) .
«لا إِله إِلا الله وحدَه، لا شريكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهو على كلِّ شيءٍ قَدير. . .» (٣) .
«اللهُمَّ ربَّ السَّماوات وربِّ الأرضِ ربَّ العرش العظيم، ربَنَّا وربَّ كلِّ شيء فالِقَ الحبِّ والنَّوى، ومُنزِلَ التَّوراةِ والإِنجيل والفرقان أَعوذ بك من شرِّ كلِّ شيءٍ
_________
(١) رواه أحمد في مسنده واللفظ له: (٣ / ٤٠٦)، والدارمي في كتاب الاستئذان، باب ما يقول إِذا أصبح: (٢٦٩١)، وابن السني في عمل اليوم والليلة، باب ماذا يقول إِذا أصبح: (٣٣) .
(٢) أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب الإِيمان، باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة. .): (٢٥)، ومسلم في كتاب الإِيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إِله إِلا الله محمدًا رسول الله: (٢٢)، وابن حبّان في كتاب الإِيمان، باب فرض الإِيمان: (١٧٥، ٢١٩)، والبغوي في كتاب الإِيمان، باب البيعة على الإِسلام وشرائعه وقتال من أبى: (٣٣) من حديث ابن عمر، وله طرق أخرى كثيرة.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب ما يقول إِذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو؟: (١٧٩٧)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إِذا قفل من سفر الحج وغيره: (١٣٤٤) .
1 / 18
أنتَ آخذٌ بناصيَته، اللهمّ أنتَ الأول فليسَ قبلكَ شيءٌ، وأنت الآخِرُ فَليَسً بعدك شيءٌ، وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقكَ شيءٌ، وأنت الباطنُ فليسَ دونكَ شيءٌ، اقض عنَّا الدَّيْنَ وأغْننا مِنَ الفَقْر» (١) .
«إِنكم سَتَرَونَ رَبَّكم كما تَرَوْنَ هذا القمر، لا تُضامون في رُؤيته، فإِن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا. . .» (٢) .
«احْفَظ الله يَحْفَظْكَ، احفَظ الله تجدْهُ تُجاهَكَ، إِذا سأَلْتَ فَاسألِ الله، وإذا استَعَنْتَ فاستَعِنْ بالله، واعلمْ أَنَّ الأمَّةَ لو اجتمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعوكَ بشيءٍ، لم يَنْفَعُوكَ إِلاَّ
_________
(١) أخرجه مسلم واللفظ له، في كتاب الذكر والدعاء. .، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع: (٢٧١٣)، وأبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم: (٥٠٥١)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إِذا أوى إِلى فراشه: (٣٤٠٠) .
(٢) أخرجه البخاري واللفظ له، في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر: (٥٥٤)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر: (٦٣٣)، وأبو داود في كتاب السُّنَّة، باب في الرؤية: (٤٧٢٩)، والترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في رؤية الرَّبِّ ﵎: (٢٥٥٤)، وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (١٧٧)، وأحمد في مسنده: (٣ / ١٦)، (٤ / ١١، ١٢) .
1 / 19
بشيء قَدْ كَتَبَه الله لَكَ، ولو اجتَمعُوا على أَنْ يَضرُّوكَ بشيء، لم يَضُرُّوكَ إِلاَّ بشيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَليكَ، رُفِعَت الأَقلامُ، وجَفّتِ الصحُف» (١) .
«إِنَّ الله تعالى يَبْسُط يدَه بالليل ليَتوبَ مُسِيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل حتى تَطلعَ الشمسُ من مَغرِبها» (٢) .
«سُبْحانَ الله عَدَدَ خَلْقِه، سُبْحان الله رِضاءَ نَفْسهِ، سُبحانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبحاَنَ الله مِدَادَ كَلِماتِهِ. . .» (٣) .
«. . اللهم بِاسمِكَ أَموتُ وأحيا. (٤)» .
_________
(١) رواه الترمذي واللفظ له، في كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في صفة أواني الحوض: (٢٥١٦)، وأحمد في مسنده: (١ / ٢٩٣)، والطبراني في " الكبير ": (١٢ / ١٢٩٨٨، ١٢٩٨٩) .
(٢) أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت: (٢٧٥٩)، وأحمد في مسنده: (٤ / ٣٩٥) .
(٣) رواه أحمد في مسنده: (١ / ٣٥٣، (٦ / ٣٢٥، ٤٣٠) .
(٤) رواه البخاري واللفظ له في كتاب الدعوات، باب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن: (٦٣١٤)، وأبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم: (٥٠٤٩)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا انتبه من الليل: (٣٤١٧)، وأحمد في مسنده: (٥ / ٣٨٥) .
1 / 20
«لا إِله إِلا الله العَظيمُ الحليمُ، لا إِله إِلا الله ربّ العرش العظيمُ، لا إِله إِلا الله ربُّ السمواتِ، وربُّ الأرضِ، وربُّ العرش الكريم» (١) .
ونشهد أنّ حياة الرسول ﷺ كانت كلها توحيدًا خالصًا لله تعالى.
كان إِيمانُه توحيدًا، وكانت نيتُه توحيدًا، وكانت عبادتُه توحيدًا، وكان عملُه توحيدًا، وكان خُلُفه توحيدًا.
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ - قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٦١ - ١٦٤]
_________
(١) رواه البخاري واللفظ له، في كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء. . .: (٧٤٢٦)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء. .، باب دعاء الكرب: (٢٧٣٠)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاءَ ما يقول عند الكرب: (٣٤٣٥) .
1 / 21
ونشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ خير من جاهد في سبيل كلمة التوحيد حتى أتاه اليقين.
ونشهد أن كل توحيدٍ تحقق - بعد مبعثه - كان هو ﷺ سببه بتوفيق المُسبِّبِ ونَصرِه سبحانه.
فصلِّ اللهم على نبيك ورسولك محمد ما عَمرَ قلبٌ بتوحيدك، وما استضاءَ مُجتمع بنور الإِيمان بك.
وارْضَ اللهم عن صحابة رسول الله ﷺ الذين ما دار الفَلَك على شاهِدين بالوحدانية لك خير منهم بعد الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
فهذا مفتحٌ توحيديّ ذو دلالة مقصودة.
ووجه الدلالة فيه:
* أن العقيدة هي جِماع الأمر ومِلاكه، فليس يسبق العقيدة شيء في منهج الدين، وليس يقوم مقام التوحيد شيء في سلوك التديّن، وصلاح القلب والعمل.
وما من نبي ولا رسول إِلا كانت العقيدة عمادَ دعوته، وأول أمره، وباكورة منهجه:
1 / 22
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ٥٩]
﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥]
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٧٣]
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٨٥]
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]
وما من داعيةٍ ناجحِ إِلا بدأ بما بدأ بهِ الرُّسل، وكان التوحيد قِوام علمه ودعوته.
يعزز هذه الحقيقة - حقيقة أن العقيدة هي جِماع الأمر ومِلاكه - عبرة التاريخ، واستقراء الواقع.
فكل بناء لا تكون العقيدة أسّه، إِنما هو بناء بلا أساس، وبلا قرار وإِنْ بَدا للناس أنه قد استطالَ.
1 / 23
لقد فسر الناس انهيار الحضارات، وبوار الأمم، واضطراب المجتمعات وضنكها بأسباب بلغت المئين عدًّا، لكن هؤلاء المفسرين غفلوا عن السبب الأسّ وهو: انحراف العقيدة وفسادها بالكفر والشرك والزيغ والضلال والإِعراض.
وهو السبب الذي جَلاّه الله في كتابه الكريم، ودعا إِلى الاعتبار بنتائجه:
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨]
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا - إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ١٦٧ - ١٦٩]
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٣٦]
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ - أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ٨ - ١٠]
1 / 24
﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: ٣١]
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١١٦]
﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥]
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٦]
﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ - وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: ١٣ - ١٤]
ووجه الدلالة في ذلك المَفْتح:
* أننا - نحن المسلمين - لا نعبد مجهولًا، بل نعبد إِلهًا نعرفه بأسمائه وصفاته.
1 / 25