ضحك الباشا ضحكة جافة مختزلة، وقال: هذا اليوم كالليل المتراكم السحب، انتظر حتى نعرف أين الرأس وأين القدم.
وتطاول عيسى في توتر ثم زفر حتى أرعش أهداب غطاء الخوان المخملي، ثم تمتم متسائلا: الأحزاب؟
فانحرف إلى أسفل جانبا الفم الدقيق في ازدراء، وقال: هي أضعف من أن تدبر أمرا! - من إذن؟
تساءل وريبة ذات معنى تتجلى في عينيه، فقال الباشا: الأمر ليس بالوضوح الذي تظنه، قد تتسلل من السراي تعليمات معينة، قد يمرح جواسيس الإنجليز ويعيثون فسادا، ولكن يخيل إلي أن المد بدأ طبيعيا جدا ثم انتهز النهازون الفرص.
وبغتة ثارت المخاوف الراسبة في أعماقه فزلزلت قلبه فتساءل: وماذا عن مصير المعركة؟
عاد الباشا إلى العبث بشاربه الفضي، ورفع عينيه إلى السقف التي تضيء أركانه الأربعة أنوار متوارية وراء أجنحة مذهبة، ثم أعادها إلى وجه الشاب، وهما تعكسان غموضا وكآبة دون أن ينبس، فقال عيسى مطاردا القلق الذي يعذبه: الويل لمن تسول له نفسه العبث بجهادنا!
فلم يبد الحماس في وجه الباشا ولا التفاؤل واكتفى بأن قال: هذا يوم خطير له ما بعده.
فقال عيسى بصوت فاتر منهزم: للمرة الثانية في هذا اليوم أتذكر قول الشيخ عبد التواب السلهوبي إثر المعاهدة: «انتهينا والأمر لله.»
فابتسم الباشا قائلا: إننا لا ننتهي أبدا، فقد نسقط ولكننا نعود أقوى مما كنا.
ورن التليفون، وكان المتحدث حرم الباشا من الدور الأعلى، وتجلى الاهتمام في وجه الباشا إلى أقصى حد، وأعاد السماعة وهو يقول: أعلنت الأحكام العرفية.
Bilinmeyen sayfa