وتواصل الحديث حتى خلا البيت، وحين مضى ليوصل ابن عمه إلى الباب الخارجي، توقف فجأة، ثم ابتسم إليه في تودد قائلا: كان سفرك خطأ ويجب أن تعيد النظر في موقفك.
فابتسم عيسى بلا أدنى رغبة في الحديث، فعاد الآخر يقول: خبرني عن أمل واحد من آمالك الماضية لا يتحقق اليوم .. فيجب أن تلحق بالقطار.
وهز رأسه هزة غامضة، ثم تصافحا وحسن يقول: عندما تغير رأيك ستجدني رهن إشارتك.
فشكره عيسى بنبرة امتنان واضحة، والحق أنه تأثر كثيرا لحسن مجاملته، ولكنه أبى أن يفكر في زحزحة الجدار الذي يصده عنه، وكثيرا ما يسلم بمنطق خصمه، ويعترف بهزيمته الخفية أمامه، ولكن كلما ازداد عقله اقتناعا، غاص قلبه في الامتعاض الآسن، وخلا بعد ذلك بأم شلبي التي حيت مقدمه بالبكاء على الراحلة، انتظر حتى سكتت ثم سألها: كيف كان حالها؟
فقالت وهي تجفف عينيها: لم ترقد يوما واحدا. - إذن فجأة؟ - نعم، وبين يدي من حسن الحظ. - هل كانت تطول وحدتها بالبيت؟ - أبدا، كل يوم كانت تزورها ست من أخواتك. - الليلة ألم تحضر سوسن هانم؟ - نعم، يا سيدي، حضرت.
وبعد تردد قصير، سألها: وسلوى؟ - لم تحضر يا سيدي.
ورمشت بعينيها ثم استطردت: كتبوا كتابها على سي حسن ابن عمك.
انتفضت عيناه المتعبتان في نظرة يقظة دهشة، ثم تساءل: سلوى وحسن؟ - نعم يا سيدي. - متى؟ - في الشهر الماضي.
مد ساقيه بلا مبالاة، وألقى برأسه على مسند المقعد، فرأى السقف القديم الباهت القائم على أعمدة أفقية، ثم استقرت عيناه على برص كبير في أعلى الجدار، تراءى في وضعه الجامد كالمصلوب.
19
Bilinmeyen sayfa