وطرد الشحاذ بإشارة من يده، وعاد يقول: يعزيني أحيانا أن أرى نفسي كالمسيح أحمل خطايا أمة من الخاطئين.
فسأله عباس صديق: هل أنت متأكد من معلوماتك التاريخية؟
فقال لنفسه إنه تأكد منها ساعة أغلقت التليفون في وجهه، وقال إبراهيم خيرت بتحريض: الليلة مناسبة جدا لشيء من البراندي.
وشرب سمير عبد الباقي قليلا من الماء ليرطب فاه الذي جف بطحن الفول السوداني، وقال: حتى على فرض أننا أخطأنا، ألم يجدوا في ماضينا ما يشفع لنا؟!
وأغمض عيسى عينيه ليرى الماضي، فترة حية من نبض القلب، هدير المجد يخلد في الأسماع، وهراوات الجنود كالصواريخ، والحماس المهلك للأنفس، ثم الإغراء الموهن للهمم، وزحف الفتور كالمرض، ثم الزلزال دون نذير كلب، ونشدان العزاء عند قلب أجوف، ثم صرير التليفون كصوت العدم.
وقال سمير عبد الباقي أيضا: كنا طليعة ثورة فأصبحنا حطام ثورة!
فقال إبراهيم خيرت باهتمام، وكأنما يبرر موقفه بصفة عامة: أقول إنه علينا أن نلحق بالركب.
فتجلت نظرة حزينة في عيني سمير عبد الباقي الخضراوين، وقال: قضي علينا بأن نموت مرتين.
فأيد عيسى رأيه قائلا: هذا هو الواقع، ولذلك فنحن نتغذى بالسمك!
ورأوا ماسح الأحذية يدق صندوقه حيالهم فاختبئوا في الصمت حتى ذهب، وضحك سمير عبد الباقي ضحكة عالية استدعت تساؤلهم، فقال: أذكر أنني أوشكت يوما أن أدخل المدرسة الحربية!
Bilinmeyen sayfa