﴿قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء تذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على كل شَيْء قدير تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب﴾ . فسبحان الله من إِلَه حَكِيم قَادر، ومليك مقتدر قاهر، يُعْطي الْعَاجِز الحقير، ويمتع البطل الأيد الْكَبِير، وَيرْفَع الخامل الذَّلِيل، وَيَضَع ذَا الْعِزّ المنيع وَالْمجد الأثيل، ويعز المحتقر الطريد المجفو الشريد، ويذل أولى الْحَد الْحَدِيد، وَالْعد العديد، وأرباب الألوية والبنود، ومالكي أزمة العساكر والجنود، ويؤتي ملكه من لم يكن شَيْئا مَذْكُورا، وَلَا عرف لَهُ أيا نبيها وجدا مَشْهُورا، بل نَشأ كلا على مَوْلَاهُ وخادما لسواه، تجبهه وتشنؤه النَّاس، وَلَا يرعاه سَائِر الْأَجْنَاس، لَا يقدر على نفع نَفسه فضلا عَن الْغَيْر، وَلَا يَسْتَطِيع دفع مَا ينزل بِهِ من مساءة وضير، عَجزا وشقاء وخمولا واختفاء، وَينْزع نعت الْملك مِمَّن نِهَايَة أَسد الشري فِي غيلها، وتخضع لجلالته عتاة الْأَبْطَال يقظها وقيظيظها، وتختع لخنزوانة سُلْطَانه حماة الكماة بجمعها وجميعها، وتذل لسطونه مُلُوك الْجَبَابِرَة وأقبالها، ويأتمر بأوامره العساكر الْكَثِيرَة الْعدَد، ويقتدى بعوائده الْخَلَائق مدى الْأَبَد. وَالْحَمْد الله على حالتي مَنعه وعطائه، وابتلائه وبلائه، وسراته وضرائه، ونعمه وبأسائه، أهل الثَّنَاء وَالْمجد، ومستحق الشُّكْر وَالْحَمْد ﴿لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون﴾ ﴿بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ وَلَا إِلَه إِلَّا الله الْوَاحِد الْأَحَد، الْفَرد الصَّمد، الَّذِي ﴿لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد﴾ وَالله أكبر
1 / 102
﴿لَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ وَلَا تدْرك من عَظمته الْعُقُول إِلَّا مَا أخبر بِهِ عَنهُ الرُّسُل والأنبياء. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد الَّذِي أذهب الشّرك من الأكاسرة، ومحا بشر يعته عُظَمَاء الرّوم القياصرة، وأزال بملته الْأَصْنَام والأوثان، وَأحمد بظهوره بيُوت النيرَان، وَجمع لَهُ أسود الْعَرَب وَقد كَانَت فِي جزيرتها مُتَفَرِّقَة، وَلم ببركته شعثها بَعْدَمَا غبرت زَمَانا وَهِي متمزقة، وَألف قلوبها على موالاته وطاعته، وحبب إِلَيْهَا الْمُبَادرَة إِلَى مبايعته على الْمَوْت ومتابعته، فتواصلوا بعد القطيعة والتدابر، وتحابوا فِي الله كَأَن لم ينشئوا على الْبغضَاء والتنافر، حَتَّى صَارُوا بِاتِّبَاع مِلَّته، والاقتداء بِشَرِيعَتِهِ، من رِعَايَة الشَّاء الْبَعِير، إِلَى سياسة الجم الغقير، وَبعد اقتعاد سَنَام النَّاقة والعقود، وملازمة بَيت الشّعْر والعمود، وَأكل القيصوم وَالشَّيْخ، ونزول القفر الفسيح، إِلَى ارتقاء المنابر والسرير، وتوسد الأرائك على الْحَرِير، وارتباط المسومة الْجِيَاد، واقتناء مَا لَا يُحْصى من الخدع والعتاد، بِمَا فتح الله عَلَيْهِم من غَنَائِم مُلُوك الأَرْض، الَّذين أخذوهم بِالْقُوَّةِ والقهر، وحووا ممالكهم بتأييد الله لَهُم وَالنضْر، وأورثوها أَبنَاء أبنائهم، وأحفادهم وأحفاد أحفادهم، فَلَمَّا خالفوا مَا جَاءَهُم بِهِ رسولهم من الْهدى، أحلّهُم الرزايا المجيحة والردى، وسلط عَلَيْهِم من رعاع الغوغاء وآحاد الدهماء من ألحقهم يعد الْملك باهلك، وحطهم بعد الرّفْعَة، وأذلهم بعد المنعة، وصيرهم من رتب الْمُلُوك إِلَى حَالَة العَبْد الْمَمْلُوك، جَزَاء بِمَا اجترحوا من السَّيِّئَات، واقترفوا من الْكَبَائِر الموبقات، وَاسْتَحَلُّوا من الحرمات، واستهواهم بِهِ الشَّيْطَان من اتِّبَاع الشَّهَوَات، ولعتبر أولو البصائر والأفهام، ويخشى أهل النَّهْي مواقع نقم الله الْعَزِيز ذِي الانتقام، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ. أما بعد، فَإِنَّهُ لما يسر الله وَله الْحَمد، بإكمال كتاب «عقد جَوَاهِر الأسفاط من أَخْبَار مَدِينَة الفساط»، وَكتاب «اتعاظ الحنفاء بأخبار الْخُلَفَاء»، وهما يستملان على ذكر من ملك مصر من الْأُمَرَاء وَالْخُلَفَاء، وَمَا كَانَ فِي أيامهم من الْحَوَادِث والأنباء، مُنْذُ فتحت إِلَى أَن زَالَت الدولة الفاطمية وانقرضت، أَحْبَبْت أَن أصل ذَلِك بِذكر من ملك مصر بعدهمْ من الْمُلُوك الأكراد الأيوبية، والسلاطين المماليك التركية
1 / 103
والجركسية، فِي كتاب يحصر أخبارهم الشائعة، ويستقصى أعلامهم الذائعة، ويحوى أَكثر مَا فِي أيامهم من الْحَوَادِث والماجريات، غير معتن فِيهِ بالتراجم والوفيات، لِأَنِّي أفردت لَهَا تأليفا بديع الْمِثَال بعيد المنال، فألفت هَذَا الدِّيوَان، وسلكت فِيهِ التَّوَسُّط بَين الْإِكْثَار الممل والاختصار المخل، وسميته كتاب «السلوك لمعْرِفَة دوَل الْمُلُوك» . وَيَا لله أستعين فَهُوَ الْمعِين، وَبِه أعتضد فِيمَا أُرِيد وأعتمد، فَإِنَّهُ حسبى وَنعم الْوَكِيل.
فصل
ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد ﷺ، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض، والبربر وَلَهُم شمال مغرب الأَرْض، وَالروم وهم فِي وسط شمال الأَرْض، وَالتّرْك وهم فِي شمال مشرق الأَرْض، وَالْفرس وهم فِي وسط هَذِه الممالك، قد أحاطت بهم هَذِه الْأُمَم السِّت. وَكَانَت الْأُمَم كلهَا فِي قديم الدَّهْر، قبل ظُهُور الشَّرَائِع الدِّينِيَّة، صفا وَاحِد مسمين باسمين: سمنيين وكلدانيين، ثمَّ صَارُوا على خَمْسَة أَدْيَان، وَهِي الصابئة، وَالْمَجُوس، وَالَّذين أشركوا، وَالْيَهُود، وَالنَّصَارَى. فَأَما الصابئة: فَإِنَّهَا الَّتِي تعبد الْكَوَاكِب، وَترى أَن سَائِر مَا فِي الْعَالم السُّفْلى الْمعبر عَنهُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ناشيء وصادر عَن الْكَوَاكِب، وَأَن الشَّمْس هِيَ المفيضة على الْكل. وَهَذَا الدّين أقدم هَذِه الْأَدْيَان، وَبِه كَانَ يدين أهل بابل من الكلدانيين، وإليهم بعث الله نوحًا وَإِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا. وَكَانَت الصابئة تتَّخذ التماثيل من الجواهبر والمعادن على أَسمَاء الْكَوَاكِب وتعبدها، فتصلى إِلَيْهَا وتقرب لَهَا القرابين، وتعتقد أَنَّهَا تجلب النَّفْع وتدفع السوء. وَبقيت مِنْهُم بقايا بأر ض السوَاد من الْعرَاق وبحران
1 / 104
والرها أدركوا الْإِسْلَام وَعرفُوا بالنبط وبالحرنانيين وَلم يبْق لَهُم إِذْ ذَاك ملك مُنْذُ غلبهم فَارس، فَلَمَّا كَانَت أَيَّام الْمَأْمُون أسقطوا عَن أنفسهم اسْم الكلدانيين، وتسموا بالصابئين. وَأما الْمَجُوس: فَإِنَّهُم الَّذين يَقُولُونَ بإلهين اثْنَيْنِ، أَحدهمَا فَاعل الْخَيْر وَهُوَ النُّور، وَالْآخر فَاعل الشَّرّ وَهُوَ الظلام، وَيُقَال لَهُم الثنوية أَيْضا، وَاتَّخذُوا لَهُم بيُوت نيران لَا تزَال تقد أبدا، وَكَانَت إِلَى هَذِه النيرَان صلواتهم وقرابينهم، ويعتقدون فِيهَا النَّفْع والضر، وعَلى هَذَا الِاعْتِقَاد كَانَت الأكاسرة مُلُوك فَارس بالعراق.
1 / 105
وَولد رَسُول الله ﷺ فِي أَيَّام كسْرَى أنوشروان وأزال الْعَرَب ملكهم فِي خِلَافه أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب ﵁، وملكوا مِنْهُم الْمَدَائِن وجلولاء وَغَيرهَا، وَقتل يزدجرد آخر مُلُوكهمْ فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان ﵁، وَلم يقم بعده قَائِم من الأكاسرة، وتمزق الْفرس وَذهب ملكهم إِلَى الْيَوْم. وَقد تقدم فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط ذكر مُلُوك الْفرس فَرَاجعه. وَأما الَّذين أشركوا فَإِنَّهُم وَإِن وافقهم الصائبة وَالْمَجُوس فِي عبَادَة التماثيل وَالنَّار من دون الله، فَإِن الْعَرَب الَّذين بعث الله فيهم نَبينَا مُحَمَّد ﷺ يُقَال لَهُم الْمُشْركُونَ سمة لَهُم، واسما لَزِمَهُم، وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام والأوثان والطواغيت من دون الله، فيسجدون وَيصلونَ ويذبحون الذَّبَائِح لتماثيل عِنْدهم، قد اتَّخَذُوهَا من الْحجر والخشب وَغَيره ى، ويزعمون أَنَّهَا تجلب لَهُم النَّفْع، وتدفع عَنْهُم الضّر ويعتقد الْمُشْركُونَ مَعَ ذَلِك أَن الله سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي خلقهمْ، وَهُوَ الَّذِي أوجدهم ثمَّ يميتهم، وَهُوَ الَّذِي يرزقهم، وَأَن عِبَادَتهم للأصنام وَسِيلَة تقربهم إِلَى الله سُبْحَانَهُ. وَكَانُوا إِذا مسهم الضّر فِي الْبَحْر من شدَّة هبوب رياحه وَعظم أمواجه، وأشرفوا على الْهَلَاك، نسوا عِنْد ذَلِك الْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا يعبدونها، ودعوا الله يسألونه النجَاة وَقد محا الله - وَله الْحَمد بنبينا مُحَمَّد ﷺ الشّرك من الْعَرَب حَتَّى دخلُوا فِي دين الله افواجا، وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده، إِلَى أَن ظهر دين الْإِسْلَام بهم على سَائِر الْأَدْيَان، وملكوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا مِمَّا تطؤه الدَّوَابّ، وتمر فِيهِ السفن. وَقد ذكرنَا أَيْضا فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط قبائل الْعَرَب وبطونها ذكر شافيا فَتَأَمّله. وَأما الْيَهُود: فَإِنَّهُم أَتبَاع نَبِي الله مُوسَى بن عمرَان، صلوَات الله عَلَيْهِ، وكتابهم التوارة. ولكهم أَبنَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، ويعرفون أَيْضا ببني إِسْرَائِيل، وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِم، وَكَانُوا اثنى عشر سبطا، وملكوا الشَّام بأسره
1 / 106
إِلَّا قَلِيلا مِنْهُ إِلَى أَن زَالَت دولتهم على يَد بخْتنصر، ثمَّ على يَد طيطش، وَجَاء الله بِالْإِسْلَامِ وَلَيْسَ لَهُم ملك وَلَا دولة، وَإِنَّمَا هم أُمَم متفرقون فِي أقطار الأَرْض، تَحت أَيدي النَّصَارَى. وَقد ذكرنَا أَيْضا جَمِيع مُلُوكهمْ فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط. وَأما النَّصَارَى، فَإِنَّهُم أَتبَاع نَبِي الله الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِ، وكتابهم الْإِنْجِيل، وَجَاء الله الْمَسِيح إِلَى بني إِسْرَائِيل فَكَذبُوهُ إِلَّا طَائِفَة مِنْهُم، ثمَّ انْتَشَر دينه بعد رَفعه بدهر، فَدخل فِيهِ الرّوم والقبط والحبشة وَطَائِفَة من الْعَرَب، وَمَا زَالُوا على ذَلِك حَتَّى جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ، فقاتل الْمُسلمُونَ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضى الله وأخرجوه إِلَى جزائر الْبَحْر، ثمَّ قَاتل الْمُسلمُونَ القوط والجلالقة، وملكوا مِنْهُم إقريقية والأندلس وَسَائِر بِلَاد الْمغرب، وتابعوا الْمُسلمُونَ القوط والجلالقة، وملكوا مِنْهُم إفريقية من بعدهمْ الإفرند. وَقد ذكرنَا فِي كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط وَفِي كتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار بِذكر الخطط والْآثَار، جملَة من حروب الر وم والفرنج للْمُسلمين. وَإِلَى وقتنا هَذَا مُلُوك الفرنج ورعتيهم، وملوك أَكثر بِلَاد الْحَبَشَة ورعيتهم، يدينون بدين النَّصْرَانِيَّة فَهَذِهِ - أعزّك الله - ديانات أهل الأَرْض عِنْد مبعث نَبينَا مُحَمَّد ﷺ. وَكَانَت الممالك يَوْمئِذٍ على خَمْسَة أَقسَام: مملكه فَارس وَيُقَال لمن ملك مِنْهُم كسْرَى، ومملكه الرّوم وَيُقَال لملكها قَيْصر، وَكَانَت الْحَرْب لَا تزَال بَين الرّوم وَفَارِس وبيدهما أَكثر الْمَعْمُور، ومملكه التّرْك وَكَانَت مُلُوكهمْ تحارب مُلُوك الْفرس، وَلم يكن لَهُم قطّ فِيمَا بلغنَا من أَخْبَار الخليقة غَلَبَة على الممالك، ومملكه الْهِنْد وَحسب مُلُوكهمْ ضبط مَا بِيَدِهَا فَقَط، ومملكه الصين. وَأما بنوحام من الْحَبَشَة والزنج والبربر فَلم يكن لَهُم ملك يعْتد بِهِ.
فصل
ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء
أعلم أَن الله بعث نَبينَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف ﷺ على رَأس أَرْبَعِينَ سنة من عمره، فَدَعَا قومه من قُرَيْش بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة، وَهَاجَر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا عشر سِنِين، وتوفاه الله وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، وَقد ذكرنَا جملَة سيرته فِي أول كتاب عقد جَوَاهِر الأسفاط. فَقَامَ بعد وَفَاته ﷺ بِأَمْر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وَالْخُلَفَاء الراشدون مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة، وعدتهم خَمْسَة هم:
1 / 107
أَبُو بكر الصّديق ﵁ واسْمه عبد الله بن عُثْمَان أبي قُحَافَة مُدَّة سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر غير خمس لَيَال، وَعمر بن الْخطاب بن نفَيْل الْعَدوي مُدَّة عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام وَعُثْمَان بن عَفَّان بن أبي العَاصِي بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف مُدَّة اثنتى عشرَة سنة إِلَّا اثنى عشر يَوْمًا، وَقيل إِحْدَى عشرَة سنة وَاحِد عشر شهرا وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا، وَقيل ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا. وعَلى بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب ابْن هَاشم مُدَّة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام، وَقيل ثَلَاثَة أَيَّام، وَقيل أَرْبَعَة عشر يَوْمًا. وَالْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب مُدَّة خَمْسَة أشهر وَنَحْو نصف شهر، وَقيل سِتَّة
1 / 108
أشهر، وَبِه تمت أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ﵃. وَصَارَت الْخلَافَة ملكا عَضُوضًا، أَي فِيهِ عسف وعنف، وانتقل الْأَمر إِلَى بني أُميَّة. وَأول من ولي مِنْهُم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، واسْمه صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، ومدته تسع عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَقيل ثَلَاثَة أشهر إِلَّا إياما. وَقَامَ من بعده ابْنه يزِيد بن مُعَاوِيَة مُدَّة ثَلَاث سِنِين وَسِتَّة أشهر، وَقيل ثَمَانِيَة
1 / 109
أشهر، وَقيل غير ذَلِك، وَلَيْسَ بشىء فولى بعده مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، ثَلَاثَة أشهر وَقيل أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَامَ بعد يزِيد أَيْضا عبد الله بن الزبير بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بالحجاز وَخَالف عَلَيْهِ مَرْوَان بِالشَّام، فَكَانَت مُدَّة ابْن
1 / 110
الزبير إِلَى أَن قتل بِمَكَّة تسع سِنِين. وَقَامَ بعد مُعَاوِيَة بن يزِيد بِالشَّام مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف مُدَّة عشرَة أشهر. وَقَامَ من بعده ابْنه عبد الْملك بن مَرْوَان، وَاسْتعْمل الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ على حَرْب عبد الله
1 / 111
ابْن الزبير فَقتله، وَأقَام عبد الْملك بعد قَتله ثَلَاث عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر إِلَّا سبع لَيَال. وَقَامَ بعده ابْنه الْوَلِيد بن عبد الْملك مُدَّة تسع سِنِين وَسَبْعَة أشهر. وَقَامَ بعده أَخُوهُ سُلَيْمَان بن عبد الْملك سنتَيْن وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة أَيَّام، وَقيل إِلَّا خَمْسَة أَيَّام. وَقَامَ بعده عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم سنتَيْن وَخَمْسَة أشهر. ثمَّ قَامَ بعده يزِيد
1 / 112
ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان مُدَّة أَربع سِنِين وَشهر أَيَّام. وَقَامَ بعده أَخُوهُ هِشَام بن عبد الْملك تسع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وواحدا وَعشْرين يَوْمًا، وَقيل ثَمَانِيَة أشهر
1 / 113
وَنصف. وَكَانَ قد اتخذ طرازا لَهُ قدر، واسكثر مِنْهُ حَتَّى كَانَ يحمل مَا أثر فِيهِ من طرازه على سَبْعمِائة جمل فَهَذِهِ ثِيَابه الَّتِي لبسهَا، فَكيف بِمَا كَانَ عِنْده مِمَّا لم يلْبسهُ؟ فَقَامَ من بعده الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك وَيعرف بِيَزِيد النَّاقِص، وَولى مُدَّة سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَقيل وشهرن واثنين وَعشْرين يَوْمًا. فبويع بعده ابْنه يزِيد بن الْوَلِيد، وَفِي أَيَّامه اضْطَرَبَتْ الدولة، وَولى مُدَّة خَمْسَة أشهر وأياما. فَقَامَ بعده أَخُوهُ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد مُدَّة أَرْبَعَة أشهر، وَقيل سبعين يَوْمًا، وَلم يتم لَهُ أَمر. وَقَامَ بعده مَرْوَان بن مُحَمَّد
1 / 114
بن مَرْوَان بن الحكم وَيعرف بِمَرْوَان الْجَعْدِي وبمروان الْحمار. وَفِي أَيَّامه ظَهرت دولة بني الْعَبَّاس. وحاربوه حَتَّى قَتَلُوهُ بِأَرْض مصر، وَله فِي الْخلَافَة مُنْذُ بُويِعَ خمس سِنِين وَعشرَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا. وانقرضت بمقتل مَرْوَان دولة بني أُميَّة. وَقَامَت من بعْدهَا دولة بني الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف مُدَّة خَمْسمِائَة سنة وَثَلَاث وَعشْرين سنة وَعشرَة أشهر وَأَيَّام، فِيهَا افْتَرَقت كلمة الْإِسْلَام، وَسقط اسْم الْعَرَب من الدِّيوَان، وَأدْخل الأتراك فِي الدِّيوَان، واستولت على الديلم ثمَّ الأتراك، وَصَارَت لَهُم دولة عَظِيمَة جدا، وانقسمت ممالك الأَرْض عدَّة أَقسَام، وَصَارَ
1 / 115
بِكُل قطر قَائِم يَأْخُذ النَّاس بالعسف ويملكهم بالقهر. وَكَانَ أول من قَامَ من خلفاء بني الْعَبَّاس السفاح واسْمه عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ عبد الله بن عَبَّاس، مُدَّة أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَيَوْم، وَكَانَ سَرِيعا إِلَى سفك الدِّمَاء، سفك ألف دم فَاتبعهُ عماله فِي الشرق والغرب فِي فعله، وَكَانَ مَعَ ذَلِك جوادا بِالْمَالِ، فاقتدى بِهِ فِي ذَلِك عماله أَيْضا. ثمَّ ولى بعده أَخُوهُ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور واسْمه أَيْضا عبد الله بن عَليّ، فَأَقَامَ مُدَّة إِحْدَى وَعشْرين سنة وَاحِد عشر شهرا، وَهُوَ أول من أوقع الْفرْقَة بَين ولد الْعَبَّاس وَولد على ابْن أبي طَالب، وَكَانَ قبل ذَلِك أمره وَاحِدًا، وَهُوَ أول خَليفَة قرب المنجمين، وَعمل بِأَحْكَام النُّجُوم، وَأول خَليفَة ترجمت لَهُ الْكتب من اللُّغَات، وَأول خَليفَة اسْتعْمل موَالِيه
1 / 116
وغلمانه فِي أَعماله، وَقَدَّمَهُمْ على الْعَرَب، فاقتدى بِهِ من بعده من الْخُلَفَاء، حَتَّى سَقَطت قيادات الْعَرَب، وزالت رياستها، وَذَهَبت مراتبها. كَانَ قد نظر فِي الْعلم، فكثرت فِي أَيَّامه رِوَايَات النَّاس واتسعت علومهم، فَقَامَ بعده ابْنه الْمهْدي أَبُو عبد الله مُحَمَّد مُدَّة عشر سِنِين وَشهر وَنصف، وَكَانَ سخيا جوادا، فسلك النَّاس فِي ذَلِك مسلكه، واتسعوا فِي مَعَايشهمْ، وأمعن فِي قتل الْمُلْحِدِينَ لظهورهم فِي أَيَّامه، وانشاء كتبهمْ، وَهُوَ أول من أَمر بتصنيف كتب الجدل فِي الرَّد على الزَّنَادِقَة والملحدين، فصنفت فِي أَيَّامه، وَعمر مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة والقدس. ثمَّ ولى بعده ابْنه الْهَادِي بِاللَّه أَبُو مجمد مُوسَى سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَكَانَ جبارا، وَهُوَ أول من مشت الرِّجَال بَين يَدَيْهِ بِالسُّيُوفِ المرهفة، والأعمدة المشهرة، والقسى الموترة، فاقتدى بِهِ عماله، وَكثر السِّلَاح فِي محضره فَقَامَ بعده أَخُوهُ هَارُون بن مُحَمَّد الرشيد مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة وشهرين وَثَمَانِية عشر
1 / 117
يَوْمًا، وَقيل شهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا وَكَانَ مواظبا على الْحَج، مُتَابعًا للغزو وَاتخذ المصانع والآبار والبرك والقصور بطرِيق مَكَّة، وبمكة وَمنى وعرفات وَالْمَدينَة النَّبَوِيَّة، وَعم النَّاس إحسانه وعدله، بني الثغور ومدن المدن، وحصن فِيهَا الْحُصُون، مثل طرسوس وأدنه، وَعمر المصيصة ومرعش وَغير ذَلِك، فاقتدى النَّاس بِهِ، وَهُوَ أول خَليفَة لعب بالصوالجة فِي الميدان، وَرمي بالنشاب فِي البرجاس، وَلعب بالشطرنج، وَقرب أَرْبَاب هَذِه الْأُمُور وأجرى لَهُم الأزراق، فاقتدى بِهِ النَّاس. وَكَانَت أَيَّامه كَأَنَّهَا من حسنها أعراس. فبويع بعده ابْنه الْأمين مُحَمَّد بن هَارُون، وَأقَام أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة أَيَّام، فَقدم الخدم، وَرفع مَنَازِلهمْ، وشغف بهم، فاتخذت لَهُ أمه الْجَوَارِي الغلاميات، فَاتخذ النَّاس فِي أَيَّامه ذَلِك فَقَامَ من بعده أَخُوهُ الْمَأْمُون عبد الله بن هَارُون مُدَّة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة مُنْذُ سلم عَلَيْهِ بالخلافة، وَمُدَّة عشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام، وَقيل وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا، بعد قتل أَخِيه، وَكَانَ أَولا ينظر فِي أَحْكَام النُّجُوم وَيعْمل بموجبها، وَيكثر النّظر فِي كتب القدماء من الْحُكَمَاء، فَلَمَّا قدم بَغْدَاد أعرض عَن ذَلِك كُله، وَقَالَ بأقوال الْمُعْتَزلَة، وَقرب أَرْبَاب الْعُلُوم، وطلبهم من الْآفَاق، وأجرى عَلَيْهِم الأزراق، فَرغب النَّاس الْمُعْتَزلَة، وَقرب أر بَاب الْعُلُوم، وطلبهم من الْآفَاق، وأجرى عَلَيْهِم الأزراق، فَرغب النَّاس فِي الْعُلُوم الجدلية، وصنف كل أحد فِيهَا مَا ينصر بِهِ مذْهبه، وَكَانَ كَرِيمًا عفوا، فاقتدى النَّاس بِهِ فِي أَحْوَاله كلهَا. وَقَامَ بعد الْمَأْمُون أَخُوهُ المعتصم بِاللَّه أَبُو إِسْحَاق مُحَمَّد بن هَارُون، مده ثَمَانِي سِنِين وَثَمَانِية أشهر أَيَّام، وَهُوَ أول من أَدخل الأتراك الدِّيوَان، وَكَانَ أُمِّيا لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب، وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الفروسية، ويتشبهه بالعجم فِي عَامَّة أَحْوَاله [... ...] وَقَامَ من بعده ابْنه الواثق بِاللَّه أَبُو جَعْفَر هَارُون بن مُحَمَّد مُدَّة
1 / 118
خمس سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام. وَفِي أَيَّامه كَانَت المحنة وَكَانَ كثير الْأكل وَاسع، الطَّعَام. فَقَامَ من بعده المتَوَكل على الله جَعْفَر بن المعتصم مُدَّة أرع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام، وَقَتله الأتراك، وتحكوا من حِينَئِذٍ فِي ممالك الدُّنْيَا. وَهُوَ الَّذِي رفع المحنة، وَنهى عَن الجدل وعاقب عَلَيْهِ، وَأمر بِإِظْهَار رِوَايَة الحَدِيث. وَأقَام بعده ابْنه الْمُنْتَصر مُحَمَّد بن جَعْفَر، فَمَاتَ بعد سِتَّة أشهر تنقص أَيَّامًا. وأقيم بعده المستعين بِاللَّه أَحْمد بن مُحَمَّد المعتصم فَأَقَامَ ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية وَعشْرين يَوْمًا، وخلعه
1 / 119
الأتراك وعذبوه، ثمَّ قَتَلُوهُ بعد تِسْعَة أشهر من خلعه. والمستعين أول من أحدث لبس الْكَمَال الواسعة، فَجعل عرضهَا نَحْو ثَلَاثَة أشبار، وَصغر القلانس وَكَانَت قبله طوَالًا. وأقيم بعده المعتز بِاللَّه مُحَمَّد بن المتَوَكل ثمَّ خلعه الأتراك وعذبوه بِالضَّرْبِ حَتَّى مَاتَ، فَكَانَت خِلَافَته مُدَّة ثَلَاث سِنِين وَسِتَّة أشهر وَوَاحِد وَعشْرين يزما، وَقيل وأربعه وَعشْرين يَوْمًا، وَهُوَ أول خَليفَة أحدث الرّكُوب بحلية الذَّهَب - وَكَانَ من قبله من خلفاء بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس يركبون بالحلية الْخَفِيفَة من الْفضة فِي المناطق - واتخاذ
1 / 120
السيوف والسروج واللجم، فَلَمَّا ركب المعتز بحلية الذَّهَب تبعه النَّاس فِي فعل ذَلِك. وأقيم بعده الْمُهْتَدي بِاللَّه مُحَمَّد بن الواثق ثمَّ قَتله الأتراك بعد أحد عشر شهرا وَتِسْعَة عشر يَوْمًا. وأقيم بعده الْمُعْتَمد بِاللَّه أَحْمد بن المتَوَكل فغلبه الأتراك، واستبد عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمُوفق بِاللَّه أَبُو أَحْمد طَلْحَة وَخرج فِي أَيَّامه صَاحب الزنج، فحاربه الْمُوفق أعوامًا
1 / 121