144

الفرار ، وعملاء لا يفتأون يبعثون الفتن ويبثون افظع الاخبار.

وهكذا بلغ معاوية « بفتنه » ما أراد ، وبات الجيشان كلاهما طمعة الاضطرابات والحوادث المؤسفة التي لا تناسب ساحة قتال.

وما مني الاسلام منذ ضرب بجرانه على جزيرة العرب ، بأفظع من هذه النكبة التي يترنح بها موقف الخلافة الاسلامية ، بين تثاقل الجنود ، وتخاذل الزعماء وخيانة القائد ، وفتن العدو!.

انها الظروف القاهرة التي بدأت تنذر باكداس من الخطوب وألنكبات والتي ستجر حتما الى نهاية تاريخ قصير ، كان انصع وأروع صفحات التاريخ الاسلامي ، وابعدها ارتفاعا في المجد ، وأقربها اسبابا الى الفخر.

انها الكارثة التي تؤذن باللحظة المشؤومة في تاريخ الاسلام ، اللحظة القائمة على عملية الفصل بين العهدين ، عهد الخلافة بمميزاتها ومثاليتها ، وعهد « الملك المعضوض (1)» وبلائه المقدر المفروض.

وكان الحسن عليه السلام ، أعرف الناس بقيم هذه المعنويات المهددة وأحرص المسلمين على حفظ الاسلام ، والرجل الحديدي الذي لا تزيده النكبات المحيطة به ، الا لمعانا في الاخلاص ، واتقادا في الرأي ، واستبسالا في تلبية الواجب ، وتفاديا للمبدأ.

ولم يكن لتساوره الحيرة ، على كثرة ما كان في موقفه من البواعث عليها ، ولا وجد في صدره حرجا (2) ولا تلوما ولا ندما ، ولكنه وقف ليختار الرأي ، وليرسم الخطة ، وليتخذ التدابير.

وكان لابد لاصطفاء الرأي ، من دراسة سائر الاراء.

وذلك ما نريد أن نسيمه : « موقف الحيرة ».

Sayfa 164