فقال كمال باسما: إن المدرس كوكيل النيابة يتحرى الستر دائما .. - عال. سنلتقي قريبا، إنني مشغول الآن بترتيب الشقة الجديدة ولا بد أن نسهر كم مرة معا! - اتفقنا ..
وغادرا الحجرة معا فلم يتركه حتى أوصله إلى باب السكة، وعندما مر بالدور الأول في أثناء عودته التقى بأمه واقفة تنتظره عند المدخل، فسألته بلهفة: ألم يكلمك؟
فأدرك ما تسأل عنه، وشعر لذلك بألم لم يشعر بمثله، ولكنه تجاهل الأمر وتساءل بدوره: عن ماذا؟ - نعيمة؟
فأجاب ممتعضا: كلا .. - عجيبة!
وتبادلا نظرة طويلة، ثم عادت أمينة تقول: ولكن الحمزاوي كلم أباك!
فقال كمال وكان يداري ما استطاع ثورة حنقه: لعله لم يكن فيما قال نائبا عن ابنه ..
فقالت أمينة غاضبة: هذا عبث لا يليق .. ألا يدري من يكون هو ومن تكون هي؟ كان ينبغي أن يفهمه جدك حقيقة مركزه. - إن فؤاد بريء، لعل والده أسرع دون تدبر بحسن نية .. - ولكن حدث ابنه دون شك، فهل رفض الآخر؟ ذلك الذي جعلناه موظفا محترما بنقودنا ..! - لا داعي للكلام في هذا الموضوع. - أن هذا يا بني أمر لا يتصوره العقل، ألا يدري أن مصاهرته لا تشرفنا؟! - إذن لا تأسفي عليها .. - لست آسفة، ولكني غاضبة للإهانة .. - لا إهانة هنالك، ليس إلا سوء تفاهم ..
وعاد إلى حجرته حزينا خجلا. وجعل يحدث نفسه: نعيمة وردة جميلة، بيد أني رجل لم يبق لي من الفضائل إلا حب الحقيقة فينبغي أن أسأل نفسي أهي حقا كفء لوكيل نيابة؟ يستطيع رغم وضاعة أصله أن يشرك في حياته من هي أجل ثقافة وأعز محتدا وأكثر مالا وجمالا أيضا. لقد تسرع أبوه الطيب وليس هذا خطأه، ولكنه كان وقحا في حديثه معي، وهو وقح بلا شك، إنه رجل ذكي نزيه كفء وقح مغرور، وما هذا بذنبه ولكن الذنب ذنب هذه الفوارق التي تخلق فينا شتى الأمراض.
15
كانت مجلة «الفكر» تشغل الدور الأرضي بالعمارة رقم 21 بشارع عبد العزيز. وكانت حجرة صاحبها الأستاذ عبد العزيز الأسيوطي تطل بنافذة ذات قضبان على عطفة بركات المظلمة فكانت تضاء ليل نهار. والحق أنه كلما أقبل كمال على إدارة المجلة ذكره موضعها الأرضي المظلم ورثاثة أثاثها بمكانة «الفكر» في بلده، وبمكانته هو في مجتمعه، واستقبله الأستاذ عبد العزيز بابتسامة ترحيب وود، ولا عجب فقد اتصلت بينهما أسباب المعرفة منذ عام 1930 أي منذ بدأ كمال يبعث إليه بمقالاته الفلسفية، ثم مضت ستة أعوام وهما على تعاون صادق غير مأجور، والواقع أن جميع كتاب المجلة كانوا من المتعاونين في سبيل الفلسفة والثقافة لوجه الله وحده! ..
Bilinmeyen sayfa