هتفت خديجة بصوت متهدج وشى بدموعها: أتسوقهما حقا إلى القسم؟ هذا ... لا أتصور ... اعف عنهما وحياة أولادك! - ليس بوسعي ذلك، لدي أوامر صريحة بالقبض عليهما، طاب مساؤكما!
وغادر الرجل الشقة. وما لبثت أن غادرتها خديجة وفي أعقابها الرجل العجوز ونزلا السلم لا يلويان على شيء. ورأتهما كريمة وكانت واقفة أمام شقتها في حال شديدة من الفزع فهتفت: أخذوه يا عمتي، أخذوه إلى السجن ...
فألقت خديجة على الشقة نظرة متحجرة، ونزلت مسرعة إلى الشقة الأولى حيث وجدت سوسن على باب شقتها كذلك تتطلع إلى الفناء بوجه كالح، فنظرت حيث تنظر فرأت القوة تحيط بعبد المنعم وأحمد متجهة بهما إلى الخارج، فلم تتمالك أن تصرخ من أعماق قلبها، وهمت بالانطلاق في أثرهما لولا أن أمسكت بها يد سوسن، فالتفتت نحوها هائجة، غير أن سوسن قالت لها بصوت هادئ حزين: هدئي روعك، لم يعثروا على شيء مريب، ولن يثبت ضدهما شيء، لا تجري وراءهم حفظا لكرامة عبد المنعم وأحمد ...
فصاحت بها: هذا الهدوء تحسدين عليه!
فقالت سوسن برقة وصبر: سيعودان إلى بيتهما بخير، اطمئني ...
فتساءلت بحدة: من أدراك؟ - إني واثقة مما أقول ...
فلم تكترث لقولها والتفتت نحو زوجها ثم ضربت كفا بكف وهي تقول: انعدم الوفاء، أقول له إنهما ابنا أخت فهمي فيقول لي عندي أوامر، لماذا يأخذ ربنا الناس الطيبين ويترك الأرذال!
واتجهت سوسن نحو إبراهيم وقالت: سيفتشون بيت الجماعة في بين القصرين! سمعت مخبرا يقول للمأمور إنه يعرف بيت جدهما في بين القصرين فاقترح عليه الضابط المساعد تفتيشه تنفيذا للأوامر على سبيل الحيطة أن يكونا قد أخفيا فيه منشورات!
فصاحت خديجة: إني ذاهبة إلى أمي، لعل كمال يستطيع شيئا، آه يا ربي إني أحترق ...
وجاءت بمعطفها وغادرت السكرية في خطوات متلاحقة مضطربة. كان الجو باردا والظلام ما يزال كثيفا، وكانت الديكة تصيح في تجاوب متواصل. انطلقت من الغورية مخترقة الصاغة إلى النحاسين، ووجدت عند باب البيت مخبرا، ووجدت في الفناء مخبرا آخر، ثم صعدت السلم وهي تلهث ...
Bilinmeyen sayfa