المبحث الثاني مفهوم الصحبة في النصوص الشرعية والآثار
تمهيد
النصوص الشرعية عندنا ليست إلا نصوص القرآن الكريم وما صح من نصوص السنة النبوية - مع تباين في وجهات النظر في ثبوت كثير من الأحاديث بين متشدد ومتساهل- وسنذكر بعض أقوال الصحابة وكبار التابعين من باب القرائن المصاحبة للأدلة الشرعية ومن باب الاستئناس أيضا.
واقتصار التعريف الشرعي لمصطلح الصحبة على المهاجرين والأنصار ومن في حكمهم -كما سيأتي- له فوائد لعل من أبرزها أن هؤلاء (الصحابة) هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقا الذين قام عليهم الدين وهم الذين كانوا أقرب الناس تطبيقا لتعاليم الإسلام وهم الذين يصح أن يطلق عليهم (مدرسة النبوة).
وهذه الصحبة الشرعية هي الصحبة التي يذهب إليها العلماء المتقدمون تقريبا يدل على ذلك قول ابن عبد البر تعلقيا على نفي عاصم الأحول صحبة عبد الله بن سرجس فقال ابن عبد البر (463ه): (لا يختلفون في ذكر عبد الله بن سرجس في الصحابة ويقولون: له صحبة على مذهبهم في اللقيا والرؤية والسماع وأما عاصم الأحول فأحسبه أراد الصحبة التي يذهب إليها العلماء وأولئك قليل).
أقول: وهذا اعتراف من الحافظ ابن عبد البر بأن العلماء في الماضي لم يكونوا يعتبرون حصول اللقيا والرؤية والسماع كافيا لإثبات الصحبة وإنما كانوا يذهبون إلى معنى الصحبة الشرعية الخاصة وهي التي كان (يذهب إليها العلماء) فتأمل!! وكأن العلم تناقص حتى أصبح الناس يطلقون الصحبة على من لم يصحب ولم تطل منه الملازمة وعلى من لم يعرف عنه الجهاد والإنفاق وحسن السيرة، ولا ريب أن هؤلاء -الصحابة صحبة شرعية- قليل كما ذكر ابن عبدالبر فالمهاجرون والأنصار قلة نسبة إلى عشرات الألوف من غيرهم.
Sayfa 69