183

لماذا الطبقات؟!

سبق بعض علماء الحديث والسير إلى تقسيم الصحابة إلى مراتب وطبقات فمنهم من قسم الصحابة إلى خمس طبقات كابن سعد كاتب الواقدي، ومنهم من جعل طبقات الصحابة اثنتي عشرة طبقة، كالحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك في كتابه معرفة علوم الحديث، ومنهم من أوصل طبقات الصحابة إلى سبع عشرة طبقةكالإمام عبد القاهر البغدادي في كتابه أصول الدين.

وتقسيم الصحابة إلى طبقات ليس من باب الفضول أو التفاخر بأناس دون آخرين وإنما فيه فوائد تاريخية لا يدركها إلا من عرف قيمة التاريخ نفسه، إذ بمعرفة الطبقات نعرف مسيرة التاريخ نفسه، ويعيننا هذا التقسيم على معرفة السابق واللاحق، وأسباب الانتصار وعوامل الإخفاق، وغير ذلك من الفوائد سواء من الناحية التاريخية أوالاجتماعية بل والحديثية، وبها أيضا قد نعرف مواطن الاقتداء، كما أن معرفة الطبقات أيضا قد تسهم في معرفة الفرق الكبير بين الأصحاب الصادقين ومن دخل فيهم وأساء لسمعتهم وفضلهم، ومعرفة من اتبعهم بإحسان ممن لم يتبعهم بإحسان، كل هذا من حيث الجملة؛ كما يسهم هذا التقسيم في معرفة طبيعة الصحابي نفسه ومدى تأثره بالبيئة المحيطة من عدمه، وما إلى ذلك من العلوم الخاصة بهذا الباب والتي لها علاقة بكثير من المفاهيم، التي قاد الجهل بها إلى كثير من المفاهيم الخاطئة اللاحقة التي أربكت العقل المسلم على مر التاريخ وهزت الجانب الأخلاقي وسببت تناقضات داخل التراث الإسلامي تلك التناقضات التي أساءت إلى النصوص الشرعية وسموها وإلى الإسلام نفسه، فلذلك كان من المهم أن نعيد النظر لنحدد طبيعة كثير من الأمور والمصطلحات والمفاهيم الشائعة لنحاكمها في ضوء النصوص الشرعية والواقع التاريخي، وكان منها مفهوم (الصحبة والصحابة) ولن نعرف جوانب هذا المفهوم إلا إذا عرفنا بدقة الطبقات والأحوال التي مر بها الصحابة.

Sayfa 184