66
الحركة المنافسة الثانية في خراسان التي يجب أن نتناولها هي «الملامتية»؛ أي «الساعون للوم أنفسهم»، والتي نشأت حول مدينة نيسابور في حلقة حمدون القصار (المتوفى عام 885).
67
بالإضافة إلى كون الملامتية مناهضة للصوفيين الذين ظهروا في بغداد، فإنها على النطاق الأكثر محلية كانت معارضة على نحو أساسي للكرامية الذين اعتبرتهم (تماما مثل رأي الصوفيين في «زهاد» العراق) مروجين مرائين للزهد، يقف استحسان الناس لهم عقبة أمام التقوى الحقيقية. على النقيض من ذلك، فقد سعى الملامتية إلى تقريب أنفسهم من الله، عن طريق تدمير الذات من خلال تجنب أي إظهار علني للتقوى من المحتمل أن يجذب الثناء المثير للفخر، ومن خلال جعل الذات تتذكر الذكريات المستحقة للملامة والمهينة للذات. وفي حين بدا أن الكرامية راقت للطبقات الدنيا من المجتمع، فقد بدا أن الملامتية لقيت رواجا بين الطبقات الحرفية الحضرية؛ حيث أتاحت لهم إمكانية العيش بتقوى دون التخلي عن العمل أو الحياة الاجتماعية.
68
اشترك الملامتية بالتأكيد مع الصوفيين في بغداد في تلك الفترة في كثير من المصطلحات والأفكار، مثل تجنب «الرياء» والسيطرة على النفس، إلا أنه كانت توجد اختلافات حتى وسط هذه التشابهات؛ فعلى النقيض من الصوفيين، اعتقد الملامتية أن النفس لا يمكن تدميرها، وزعموا أن أي تعبير علني عن الإنجاز الروحاني يبطله على الفور. وإذا كان الملامتية يشكون - نتيجة لذلك الاعتقاد - في مزاعم الصوفية بتدمير أنفسهم، ومن ثم إعلان أنفسهم أولياء مقربين لله، فإن تجنب الملامتية إظهار التقوى العلنية تركهم أيضا غير راغبين في الاشتراك في الوعظ العلني و«الأمر بالمعروف» اللذين ربطا الصوفيين بالتيار السني الناشئ.
الحركة الثالثة من الحركات الخراسانية اللازم تمييزها عن الصوفيين الأوائل في العراق كانت حركة الحكماء التي نشأت في مدينتين من مدن الواحات ؛ هما بلخ وترمذ، حول ما يعرف حاليا بالحدود الشمالية لأفغانستان. ونظرا لنجاح الصوفيين لاحقا في ضم قادة تلك الحركة إليهم، فإن مزاعم أن أعضاء تلك الحركة كانوا صوفيين على نحو صريح، وليسوا حركة محلية منفصلة، عادة ما كان يقبلها الباحثون المعاصرون كما هي دون تحقيق. إلا أنه يوجد سبب لتصنيف مجموعة الرجال المعروفين باسم «الحكماء» باعتبارها حركة منفصلة في حد ذاتها، وإن كانت أقل تأثيرا وانتشارا من حركة الكرامية وحركة الملامتية.
69
فعلى الرغم من أن الحركتين السابقتين اجتذبتا في العموم الفلاحين والحرفيين، ففي ضوء المعلومات القليلة التي نعرفها يبدو أن حركة الحكماء كانت ذات طابع «أرستقراطي» إلى حد كبير؛ فلم يكن قادتها من ملاك الأراضي بالوراثة فحسب، بل أعلنوا أيضا أنهم من أولياء الله. في واقع الأمر، كان القادة فقط يعتبرون حكماء، ومن الواضح أن هذا اللقب كان لقبا للقادة وليس لقبا للأتباع. ومن أجل أغراضنا، فإن الشخصية الأكثر أهمية بينهم هي أبو عبد الله محمد، المعروف باسم الحكيم الترمذي، الذي توفي في الفترة ما بين عام 905 وعام 910.
70
Bilinmeyen sayfa