1
إن هذه الاقتباسات النقدية والانتقائية لا تقلل بالضرورة من كون الإبداعات النهائية ناتجة عن الدوائر الإسلامية العالمية في العراق في القرن التاسع، إلا إذا كنا نعمل وفقا للمعيار الديني لا التاريخي، ذلك المعيار الذي ينص على أن كل ما هو إسلامي يجب أن يكون نابعا من القرآن. وبدلا من التفكير من منظور «الاقتباسات»، من الأفضل أن نعتبر أوجه التشابه جزءا مما وصف بأنه «لغة سيميائية مشتركة» كانت مألوفة لدى كل من المسلمين والمسيحيين واليهود في القرون الأولى من الحكم الإسلامي.
2
من الأمثلة الجيدة على هذه المصطلحات الرمزية (واللغوية بالتأكيد) مصطلح «صوفي» نفسه؛ فعلى الرغم من وجود مجموعة أصول لغوية بديلة مزعومة (بما فيها الكلمة اليونانية
sophia
التي تعني الحكمة)، فقد أصبح المصطلح مقبولا في العموم الآن باعتباره اشتقاقا من الكلمة العربية «صوف»، مما يجعل «الصوفي» هو الشخص الذي يرتدي الملابس الصوفية كما رأينا. أما الباحث الأكثر دقة في تاريخ المصطلح، فيرى أن هذا المصطلح ظهر لأول مرة في بيئة مسيحية وليس في بيئة إسلامية، للإشارة إلى اتجاه مخالف ظهر في أواخر القرن السادس بين المسيحيين النسطوريين في سلوقية-قطسيفون، على بعد حوالي عشرين ميلا جنوب المكان الذي شهد عام 762 تأسيس بغداد.
3
وعلى الرغم من أن اللغة الرسمية للكنيسة النسطورية كانت السريانية، فمع مرور العقود بعد الفتوحات العربية للمنطقة في الأعوام التي أعقبت وفاة النبي محمد عام 632، فقد كثير من النسطوريين قدرتهم على فهم اللغة السريانية، وطالبوا بكتابة المراسيم الكنسية باللغة العربية. لقد كانت اللهجة المسيحية العربية هذه هي التي نشرت مصطلح «لابس الصوف»، ومن ثم مصطلح «صوفي»؛ للإشارة إلى مجموعة من الزهاد المسحيين في العراق، الذين تشارك معهم الزهاد المسلمون الأوائل في كل من الكلمة والممارسة بصفتهما «ارتباطا بالمكانة البسيطة والمتواضعة، واهتماما بالقيم وليس الماديات.»
4
تتمثل نقطة الضعف في هذا الزعم في أن الأجزاء الرئيسية من الدليل إما مفترضة معتمدة على استخدامات نظرية للكلمة قائمة على التخمين، وإما معتمدة على الاستخدامات الأولية المزعومة المدونة فقط في مصادر متأخرة. لكن توجد مشكلات أكبر تخص هذا الزعم أيضا؛ أولا: توجد المسألة الخاصة بقدر الأهمية الذي نود أن نمنحه للاسم، والمسألة الفرعية المتمثلة فيما إذا كان هذا الاسم ومعنى أصله «الأصلي» لهما علاقة مباشرة أو اعتباطية بالأشخاص أو الأفكار أو النشاطات التي أصبحا يشيران إليها في السياقات الإسلامية اللاحقة. في دراسة كلاسيكية لثمانية وسبعين تعريفا من التعريفات الإسلامية القديمة لمصطلح «صوفي» ومصطلح «تصوف» المشتق منه، والذي يعني «لبس الصوف» أو «اتباع الصوفية»، وجدنا تعريفا واحدا فقط يشير إلى لبس الصوف، وقليلا من التعريفات الأخرى التي تشير إلى ممارسات الزهد في العموم، وكانت الغالبية العظمى من التعريفات تشير إلى القيم المعنوية والنزعات الأخلاقية.
Bilinmeyen sayfa