وعندما مات عبد القادر عام 1883 دفن بجوار ابن عربي في الضريح الذي شيده الإمبراطور العثماني سليم الأول قبل ثلاثة قرون، وكان أتباعه في الجيل التالي - الذين أضافوا إلى تعاليمه وعكسوها في النهاية - من ضمن مؤسسي الحداثة الإسلامية الجديدة، الذين نبذوا في النهاية التقليد الذي حاول عبد القادر أن يجعله مستساغا بالنسبة إلى العصر الحديث.
45
وعلى الرغم من هزيمة عبد القادر ونفيه، فإنه لم يكن على الإطلاق آخر صوفي من شمال أفريقيا يناهض الاستعمار الفرنسي في المنطقة؛ ففي المغرب المجاور الذي تفادى الحكم الفرنسي حتى عام 1912 بدأ الصوفي محمد الكتاني (1873-1909)، في منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر، برنامجا دعائيا للمقاومة المعنوية والمادية للتدخل الفرنسي،
46
وعندما رأى الكتاني أن السلطان عبد الحفيظ بن الحسن أصبح بسبب الديون والتحالفات أكثر اعتمادا على الفرنسيين على نحو أدى إلى معاهدة فاس في عام 1912، التي قبل بمقتضاها الحكم الفرنسي للمغرب؛ أصبح الكتاني صوتا بارزا للمعارضة الدينية والسياسية لكل من الفرنسيين وتابعيهم من العائلة المالكة المغربية، ووسع الكتاني أتباعه من خلال طباعة سبعة وعشرين عملا من أعماله، حتى إنه أسس صحيفة بعنوان «الطاعون»، وبهذه الطريقة حول تقنية الطباعة - التي لم تقدم إلى المغرب من خلال أوروبا إلا في منتصف ستينيات القرن التاسع عشر - إلى أداة فعالة لترويج معارضة الاستعمار،
47
وإلى حد ما، كانت تلك استراتيجية تعبئة عالية الكفاءة؛ حيث شجعت أعدادا كبيرة من المغاربة على الاستعداد للجهاد، إلا أن حركة المقاومة تلك التي تقودها الصوفية انهارت في النهاية بعد إعدام الكتاني بأوامر ملكية عام 1909، واختيار خليفته في قيادة الطريقة الكتانية المتعاون مع الحكام الفرنسيين الجدد.
48
إذا كان عبد القادر والكتاني مثلا الجبهة المقاومة للفرنسيين؛ فقد اختارت شخصيات صوفية أخرى مثل خليفة الكتاني جني ثمار التعاون مع الاستعمار الفرنسي. ومن خلال النجاح في التعاون مع الفرنسيين دون الظهور بمظهر الخاضع للفرنسيين، نجح في تونس سيدي محمد بن أبي القاسم (1823-1897) في تأسيس مجمع زاوية كبير عند ملتقى طرق التجارة العابرة للصحراء الكبرى على أطراف الحكم الفرنسي، وضم المجمع مدرسة ودار إيواء كبيرين لأتباعه، الذين كان الكثير منهم يعملون في الأراضي الزراعية المروية جيدا، التابعة للزاوية في مقابل تنويرهم الروحاني.
49
Bilinmeyen sayfa