Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Türler
وتستند حجة المصريين في بطلانه إلى أن تركيا لم تقر ذلك الاتفاق. ثم يزيدون على ما تقدم: أن مصر ذاتها لم تقره برضاها ولم تسلم به إلا مكرهة مقسورة بقوة إنكلترا.
ويرد الإنكليز على هذه الحجة بأن اتفاق 1899 يربط مصر لأنها وقعته وإن لم تكن تركيا قد سلمت به. أما مسألة عدم تسليم تركيا فكل ما يقال فيه من الوجهة المصرية أن مصر تعاقدت على ملك الغير وفي هذه الحالة لا يكون للمغتصب - أي مصر - حق إنكار عقد التعاهد، بل إن هذا الحق لصاحب الحق المغتصب وهي تركيا. ويزيد في نقصان تمسك مصر ببطلان اتفاق 1899 أن عقد الاغتصاب الذي وقعته قد تأيد بعدول تركيا عن ادعاء أي حق لها على مصر.
وإذا كانت معاهدة سيفر لا تزال قيد التعديل فإن من المأثور أن التعديل المطلوب فيها يرمي إلى وجوه أخرى غير ذلك العدول عن حقها في مصر، وهو العدول الذي صار نهائيا.
أما الزعم بانفلات مصر من روابط اتفاق 1899 بحجة أن رضاها به كان مشوبا ومشوها بقوة الإكراه من جانب إنكلترا إكراها لم يكن بالإمكان دفعه، فهو ملابسة بين مبادئ الحق المدني ومبادئ الحق العام. وهذه معاهدات الصلح التي أكره المغلوبون على توقيعها بقوة الحديد والنار هل يجوز لهؤلاء ألا يحترموا أحكامها؟
والذي نعتقده نحن أن اتفاق 1899 لا يربط مصر للأسباب الآتية:
أن السبب الذي دعا إلى إبرام هذا الاتفاق هو الاهتمام بمنع تنفيذ الامتيازات في السودان، ووقاية مصر ولو في هذا الشطر من الأراضي المصرية من مساس نظام الامتيازات بسيادتها.
فهذا الاتفاق إذن قد عقد لمصلحة مصر لا لمصلحة إنكلترا، وفي الواقع إن إنكلترا لم يكن لها في ذاك الحين أية مصلحة خاصة من وراء ذلك الاتفاق؛ لأنها كانت تحكم مصر ذاتها.
فأية حاجة كانت بها لأن تبرم مع مصر اتفاقا يخولها إدارة السودان؟ فهل هي كانت تلقى من الحكومة المصرية مقاومة لا ترد وهي التي استطاعت أن تكره حكومة مصر على إخلاء السودان رغم إرادتها. لو أنها طلبت من الحكومة المصرية بقطع النظر عن كل اتفاق - وأمامنا السابقة في مسألة غوردون - أن تسلم حكم السودان إلى حاكم عام حتى ولو كان إنكليزيا تختاره إنكلترا وله السلطة المخولة الآن للحاكم العام؟ سؤال لا يجاب عليه بغير «لا».
إن تلغراف غرانفيل المشهور جعل للمشورة الإنكليزية صبغة الأمر، وجعل موقف الحكومة المصرية بين أمرين: إما الخضوع وإما الاستعفاء.
وكما أنه ليس ما يمنع أي شخص تعاقد مع آخر على مصلحة له من أن يتنازل عن تلك المصلحة، فكذلك مصر لا يمنعها مانع قانونا عن أن تعدل عن اتفاق 1899 إذا هي ارتضت أن تتحمل في السودان نظام الامتيازات أو أي نظام يقوم مقامه.
Bilinmeyen sayfa