قد يقول لك واحد: أعظم الكتاب فلان فلا تطيب لي غير مطالعته، فترجع أنت إليه فتجد أن كاتبك المحبوب هو غيره، اتبع إذن هواك إن كنت عارفا وصاحب ذوق سليم، وحذار أن تنخدع كغيرك! فأكثر الناس يظنون أنهم يقرءون حيث اتفق لهم ذلك، لا تصدق هؤلاء، القراءة المنتجة تحتاج إلى خلوة هادئة كالتآليف، أما إذا قرأت في كل مكان ففائدتك من قراءتك ضئيلة جدا.
أهب نفسك لتستطيع قراءة أسمى الكتب وأفضلها، وهذا لا يكون إلا بالتدرج، حتى إذا تعودت مجالسة هذه الفئة من البشر تصبح في قابل مستطيعا أن تفهم حديث الكبار منهم؛ لأن الفكرة الإنسانية تمر عندهم جميعا، وكل يعبر عنها بما أوتي من بلاغة.
وهناك مطالعة ضارة وكتبها معروفة، فهذه أحذرك منها أولا، وإذا كنت أحذرك أنت منها فكيف بأولادك ذكورا وإناثا؟
اسهر على أولادك واعرف بطريق غير مباشرة ما يقرءون ، فإن كانوا يؤثرون هذه الكتب فجرب بدهائك أن تنفرهم منها، إياك والعنف! فإنه يزيدهم رغبة فيها وإقبالا عليها، إن هذه الكتب التي تؤجج العواطف تلقي الشباب في مهاوي الرذيلة، فاسهر على أولادك.
لا تقل إن ابني راغب جدا في القراءة لا يفلت الكتاب من يده، إلا بعد أن تعرف ما يقرأ، قد يكون يقرأ ما حذرتك منه، وليس هذا مما يفرح قلوبنا نحن الآباء.
وبالاختصار إن القراءة باب المعرفة، وعلينا أن نحسن الدخول من هذا الباب لنستفيد، وما دور الكتب إلا مطاعم كبرى تقدم لك الغذاء المري النافع بالمجان، فلا تحرمها من زياراتك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإذا كنت من الذين لا يطالعون فاعلم أنك كما قال أبو نواس: «أخو الحب لا يموت ولا يحيا.»
حارب على جبهة واحدة
الرائج اليوم في الحياة المعاشية هو أن ينصرف الإنسان إلى شيء واحد دون سواه فيختص به ويسعى إلى التفرد به، تقرأ هنا وهناك وهنالك لافتات كتب عليها: فلان الفلاني إخصائي بكذا، وتقرأ فوق أبواب المخازن: نبيع كذا. وفي الغرب رجال علم اختصوا بفرع من العلوم لم يتعاطوا سواه، وكذلك في الأدب فإن بعض مشاهير الأدباء العالميين يصرفون العمر كله في درس موضوع ما.
ما هي النملة؟ وأية فائدة جلى يرجوها الباحثون من درس طبائعها ومراقبة حركاتها؟ ومع ذلك نجد علماء كبارا وقفوا عمرهم عليها وكتبوا المجلدات الضخمة عن هذا الكائن الحقير. وما أظن هذه الاختراعات الجليلة التي دفعت الإنسانية خطوات كبرى في سبيل التمدن والحضارة إلا بنت الاختصاص، فعنه وحده أتت هذه العظائم التي حكمت الإنسان في رقاب العناصر، فقيدها بسلاسل العلم وسيرها في ركابه.
فالحكمة كل الحكمة في الحياة هي أن نحصر قوانا في منطقة صغيرة؛ لأننا لا نستطيع أن نبحث في كل فن ومطلب، ولا أن نتاجر في جميع السلع، إن الضرر كل الضرر هو في تفريق قوانا حتى نضعف فنموت ولا نؤدي عملا على حقه.
Bilinmeyen sayfa