ما لنا نترك ما يعنينا؟ فلنعد إلى مهنتنا، إذا سمعت معلما يحث تلاميذه على الجد والكد وسهر الليالي والإقبال على الدرس بثغور باسمة ووجوه تقطر نشاطا وأعين وأيد تكاد تلتهم الكتب والأوراق، ثم رأيته في الغد يقبل على عمله كالبغل الكئيب؛ أفتقول إن أذنيه حد فمه؟
وإذا رأيت من انتدب نفسه مختارا لا مكرها ولا مجبرا ليكون للناس معلما ومشيرا، ثم سمعته يحضهم على فضائل تنكر هو لها، ولم يستح ممن ينكرون عليه ما تنكر لأنهم يعرفونه حلة ونسبا؛ أفلا تهم بالدنو منه لتقر في أذنيه هذا المثل: اقعد أعوج واحك مقوما؟
وبعد، فقد تكون سئمت القعود ومجيء الناس إلينا، فقم نتمش، سوف نمشي على المقربة - القادومية - فنقد السوق قدا، انظر هذا الذي كان يوصي الناس بالراكضين خلف الرغيف والإحسان إليهم، فها هو يساور حمالا من أجل نصف قرش سقط من كيسه فوقع في عب العتال.
تبصر تر هناك الذي كان يحدثنا أمس عن المساواة والتواضع، تأمل كيف يهش بعصاه على البؤساء ويطردهم من أمامه كأنهم الذبان الأزرق!
وهذاك اسمعه كيف يساوم رجلا مضطرا في حاجة دفعته إلى بيعها الحاجة القصوى، يريد أن يستغل خصاصته ويغبنه في متاعه كأنه لا يذكر شيئا مما رواه لنا أمس من أحاديث وآيات، نسي الرجل أنه روى لنا البارحة حديثا شريفا، وهو «ارحموا غني قوم افتقر، وعزيز قوم ذل.»
أما هو الذي كان يحضنا أمس على المعروف حتى خلنا أنه يتقاضى عن وعظه أجرا أو أنه من حزب الله؟
وأخيرا ألتفت إلى صاحبي أسأله: ما تقول في هؤلاء؟ فامتعض وأجاب: أتطلب من الناس صمت الأبد؟
قلت: ومن قال ذلك؟ ولكن الكلام يا صاحبي كالنقد الدارج اليوم، إذا لم يدعم بما يقابله من العين فأية قيمة له؟ فمن يرجو أن يتبعه الناس فليؤمن هو أولا بما يقول.
سئل النبي الكريم عن علامات المنافق فقال: «ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.» فالله نسأل أن يقرب ما بين أفواهنا وآذاننا لكيلا ننطق إلا بالحق ولا نتكلم إلا صادقين!
مشاهدات
Bilinmeyen sayfa