وكان العهد وكان النزول، فطار الخبر وابتعد الناس عن التفاحة المرصودة، ونعم الرجل بأكل التفاح زمنا. وفي ذات ليلة جاء الموت فظنه صاحبه الذي صلى في قديم الزمان، فقال له الزائر: «لا ... أنا عزرائيل جئت لأقبض روحك.»
فتنهد الرجل الشيخ وقال بألم: «نعم، حان الوقت ... طال عمري وكبرت جدا. ولكن لي رغبة يا عزرائيل أسألك إياها، وهي أن تصعد إلى التفاحة وتأتيني ببضع أثمار، فأنا شيخ لا أستطيع التسلق»، فخف عزرائيل إلى التفاحة وقطف بعضا من ثمارها، ولكنه لم يستطع النزول، فضحك الشيخ - الذي هو «الشقاء» - وقال له: «عاهدني يا عزرائيل على أنك لا تجيئني إلا عندما تنتهي من قبض أرواح جميع الناس» فعاهده، وصدر أمر الشيخ بالنزول.
قال الراوي: «وهكذا سيظل الشقاء ما بقي إنسان على وجه الأرض.»
القصة حكاية خرافية، ولكننا كثيرا ما نرى في الخرافات روح الحق، فقد نتصل بالمريخ وقد ... وقد ... ولكننا مهما عملنا فلا نستطيع أن نمحو الشقاء لا من الأرض ولا من العوالم التي نكتشفها، فسعينا وراء عالم أفضل لنستريح من الشقاء والألم لسنا ببالغيه مهما سعينا ومهما رسمنا من الخطط لهذا العالم، وكأن الفرزدق قد عنانا نحن بقوله لجرير:
ولئن رغبت سوى أبيك لترجعن
عبدا إليه كأن أنفك دمل
الحظ أعمى
يمشي الإنسان من المهد إلى اللحد، ويعيش معه ثلاثة؛ اثنان لا يفارقانه أبدا، وواحد قد يدركه وقد لا، أما الأول وهو الأمل فمستقر أبدا في هوة الفكر الإنساني التي لا قرار لها، يظل يمنينا ويحثنا ويطول لنا الحبل وينخسنا دائما بمهمازه، ويدفعنا إلى السعي وراء الشخص الثالث المجهول محل الإقامة، ولا يعلم إلا الله متى نلتقي به.
أما الثاني فنراه معنا حيث نكون، وهو ذو أسماء متعددة، يسمى في المصائب الصبر، ويدعى في الأعمال الثبات، ويقال له في الشدائد الحزم، فحيثما مشى الإنسان مشى معه الأمل والصبر لعلهم يلتقون بالحظ الرفيق الشارد، كثيرون زعموا أنهم ماتوا وما التقوا به، وأشهر هؤلاء شاعرنا المتنبي الذي قال في رثاء جدته: «طلبت لها حظا ففاتت وفاتني ...» بعدما قال أيضا في شرخ شبابه:
أقل فعالي بله أكثره مجد
Bilinmeyen sayfa