وقال معاوية معربا عن حلمه ودهائه: «لو أمسكت العرب بشعرة من طرف وأمسكت بها من طرف لما انقطعت، فإذا أرخوا شددت وإذا شدوا أرخيت.» وهكذا ضرب المثل بشعرة معاوية.
أما الغضب الذي يتمجدون به - إذ لا يعقل أن تكون الحياة كلها حلما لا غضب فيه - فهو الذي يكون عند نصرة الحق المهضوم والثورة للشرف الجريح، ولذلك وصف به الشاعر جماعته فقال:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
وكأني بالعرب قد فرقوا بين الغاضبين، فلم ينعتوا من لا شأن لهم بالغضاب بل سموهم سفهاء وجهالا، على هذا كانوا في الجاهلية.
أما الكتب السماوية فتشجب الغضب وتحذر الناس منه لأنه منبع الشرور، والحكيم الحكيم هو ذاك الذي يتجنبه ويتقيه إذا شاء أن يحيا سليما من الأذى.
وهؤلاء حكماء التوراة ينهون عنه في كل موقف حتى تجرأ النبي داود على ربه وهتف في ضيقته: «إلى متى يا رب تغضب كل الغضب، وتتقد كالنار غيرتك؟!» أما ابنه سليمان فيوصي الإنسان بالرفق واللين، فيقول في سفر الجامعة: «لا تسرع بروحك إلى الغضب.» واليوم نقول نحن: «عد العشرة.»
أجل إن الحلم يذهب شرور الغضب الكثيرة، وقد جاء في أمثالهم: «الجواب اللين يصرف الغضب»، تصور رب بيت ضيق الصدر فإنه يحول مأواه إلى ساحة صراع وقتال، فزوجه وبنوه يكونون منه في جهد جهيد فينغص عيشهم وتهجر السكينة والطمأنينة ذلك البيت، إن صاحب الأعصاب المجهدة يجب أن يداوي هذا الداء العضال بالأناة والتروي، وقبل أن يشعل نار غضبه فليفكر، فليطالع سير الرجال الذين اتصفوا بالحلم، ويحاول أن يتجمل بأخلاقهم ما استطاع، فيصبح من بيته في نعيم مقيم، أليس أفضل له من أن يعيش في جحيم؟!
قال المثل العربي: «إذا عز أخوك فهن.» وإذا مرت عاصفة غضب على البيت فعلى أهل ذلك البيت أن يستنيموا لها حتى تمر، وإلا فلا يعرف أحد ماذا تقتلع وماذا تهدم، إن الكلمة اللينة لهي مثل كأس ماء بارد يصب في قدر فائرة، أما إذا قابلنا الغاضب بغضب كغضبه فإننا نزيد النار اتقادا.
قد يغبى عليك من كنت تعرفه إذا ما تملكته سورة الغضب فتنكره كل الإنكار، فالغضب يعمي الأبصار والبصائر فيقضي على المثل العليا، ويخفي معالم الحق ضبابه الكثيف.
Bilinmeyen sayfa