أجل، لقد صار عيد الميلاد عيد قصف ولهو، وعيد خمر وزمر وقمر، عيد الخمور المعتقة والديوك المسمنة، بل عيد التخم والبشم. حسبك أن تعلم أننا في يوم هذا العيد كنا نفطر مرتين؛ مرة بعد قداس نصف الليل، ومرة في موعد «الترويقة». ولست أنسى قول أحد أساتذتنا وهو من الآباء الأجلاء: ليت لنا في كل رأس شهر عيد ميلاد! وقد نسي - رحمه الله - ما قاله مار بولس في الذين هم مثله: إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم.
وإذا وقف يسوع أمام مغارة من تلك المغارات التي تزدان بمئات الشموع والدمى والأكياس، ألا يتأسف حين يرى عناكب التقاليد تغطي ذلك المحيا الإلهي الإنساني الذي ملأ الدنيا رحمة ومحبة؟
ولو صادف يسوع في هذه الجولة من يسمونه «بابا نويل» فكم كرباجا كان يأكل قفاه؟ وأي نتف تنتف تلك اللحية الطويلة العريضة؟ لا شك في أنه ينتزع ذلك الخرج عن كتفيه ويدوس هداياه بقدميه ...
أجراس ترن، ونواقيس تطن، وأجواق ترنم وتهلل: المجد لله في العلا، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر.
أي رجاء يا سيد، فالذين يصلون يوم عيد ميلادك هاتفين: هللويا آمين ... يفكرون بقنبلة تهلك إخوتك الفقراء المساكين؛ ليرثوا وحدهم الأرض التي دست كنزها بحذائك؟!
جئت يا سيد مبشرا بملكوت الله كارزا بمملكة الروح، فأين هي تلك الأشياء التي بشرت بها وكرزت؟! آه، ما أفقر الكون إلى درهم من علاجك الروحي ! إن ذكرى ميلادك لا تعظم إلا باتباع تعاليمك، وإذا لم نولد ثانية كما قلت لنيقوديموس فعبثا نكرم ميلادك ونمجدك أيها الذي قال: «ليس من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات.»
ليس تكريم الميلاد بأن نعمل شجرة اصطناعية، بينا شجرة أعمالنا يابسة تسمع لأوراقها حفيف الحصاد الذي يتوق إلى المنجل.
إنك لم تدع إلا إلى الرحمة: «أريد رحمة لا ذبيحة.» هكذا قلت، أما هم فيريدون ذبيحة يكون لهم منها حصة الأسد لا رحمة تنكبهم بفلس.
إن هذه الاحتفالات الزائفة لا تنقع غلة ولا تشبع كبدا، إنها لا تسقي البؤساء - إخوة يسوع الصغار - كأس ماء باردة.
قال يسوع: «اصنعوا هذا لذكري.» وكأنه يريد أن تتمالح البشرية جمعاء في تذكاره، لا أن يأكل الأغنياء حتى يبشموا والفقراء حفاة عراة ليس لهم أطمار يسترون بها عوراتهم، اللهم سترك وعفوك عمن يعيدون هكذا!
Bilinmeyen sayfa