ولما كان محاميا أعاد إلى سيدة أوراق دعواها بعد أن درسها ورأى أنها ليست على حق، أعادها مع المئتي الدولار التي كان قبضها منها، فقالت له: ولكنك قد استحققت هذا المبلغ أجرة تعبك، فأجابها: كلا، إنك غير مصيبة في هذا، فأنا لا أقبض أجرة إتمامي واجباتي.
أرأيت كيف تكون الأخلاق؟ إن في حياة الإنسان شيئا أعظم من مهنته وأكبر من الكسب والثراء، وأسمى وأعلى من العبقرية؛ وهو الأخلاق.
قال شكسبير في مسرحيته «كليوبطره»: «إنه لشيء ضئيل أن يكون الإنسان إمبراطورا؛ إذ ما هو إلا خادم الحظ والمنفذ لإرادته. وإنه لأمر عظيم أن يقوم المرء بعمل حاسم في تاريخ أمته.» ولكي نقوم بما عناه شكسبير في كلامه يجب أن نكون من الأخلاق في حصن حصين، لتنهار عند أقدامنا معاقل الباطل والبهتان. إن الزمان هو القاضي القديم الذي يحاكم جميع المذنبين، ويفسد جميع الخطط التي لا يكون قوامها الأخلاق الفاضلة.
ولو لم يكن الخلفاء الراشدون والرسل والحواريون ذوي أخلاق عظيمة لما ثبت الإسلام والمسيحية، فكل مبدأ جديد يحتاج إلى الأخلاق لترسخ دعائمه وتستقر، فلنمتن أخلاقنا لتمتن أخلاق بنينا وأحفادنا، وبذلك تتكون الأمة العظمى.
إن الأخلاق هي الضمان الجماعي الأوحد ولا خوف على صاحبها ولا هو يحزن، فهي درع في الشباب والكهولة، وإكليل مجد في الشيخوخة، وأمامها تصغر عظمة الموت.
الرجل ابن البيت والبيئة
لكل امرئ من دهره ما تعود؛ بهذه الكلمة البسيطة المركبة استهل شاعرنا الأعظم إحدى قصائده الخالدة. خص المتنبي العادة بالناس، أما الشاعر العربي الأسبق النابغة الذبياني فألصقها حتى بالطيور الكواسر، فقال في الغساسنة والطيور المحلقة فوقهم: «لهن عليهم عادة قد عرفتها.»
ويقول أصحاب علم النفس، الصغير السن: ليست أخلاق الأمم إلا كومة عادات جمعها كر الغداة ومر العشي، وبقدر سمو هذه العادات ونبلها يعلو قدر الأمم والشعوب التي اكتسبتها. أما اكتساب العادات فقوامه مقاومة ميول النفس وقهرها وتطويعها، ومتى أذعنت تعودت.
تصف للرجل أمرا فيه صلاحه، فيهوله الرأي ويشق عليه ويقول: ما تعودت أن أعمل هذا، أو ما عملت هكذا في عمري ودهري. فتجيبه أنت بتلك السذاجة الناعمة: وما عليك يا أخي لو جربت، حاول، تعود. وقد يعمل بنصيحتك مرة فيعتاد، وتقولان معا قول المتنبي أيضا:
كل ما لم يكن من الصعب في
Bilinmeyen sayfa