ومن الأوصاف الممتعة عن هذه الفترة من الحياة في المنفى منظر للمنفي المسجون وهو يقرأ كتاب «رأس المال» لكارل ماركس، وقد اجتمع حوله سجانوه من القوزاق ليستمعوا إليه وهو يشرح لهم ما يقرأ، ولكنهم يشعرون بالسأم؛ لأنهم لا يفهمون شيئا، ثم ينامون ... ولكن السجين المنفي لا ينام!
وحتى الوقت الذي شبت فيه الثورة كان زمام النظام قد أفلت من روسيا؛ إذ إنها كانت قد خسرت ثلاثة حروب في ستين عاما، كان هناك في تلك الدولة الواسعة سلم يصعد عليه الثائرون درجة درجة إلى أن يصلوا إلى المساواة ... كان هناك ثائرون بين طبقة النبلاء، كما خرج ثائرون من بين الطبقة العاملة، أما العملاء الخونة الذين كانوا على استعداد لفضح إخوانهم فإنهم كانوا قد انتشروا بين جميع الطبقات.
وكانت الطبقات العاملة التي ينشر بينها ستالين وزملاؤه دعايتهم قد تكتلت بأعداد هائلة في منطقة البترول بباكو، كان ذلك حوالي عام 1870؛ إذ وجد مئات الألوف من العمال من جميع الأجناس ومن جميع الأديان وقد تركزوا في تلك المنطقة، وكانوا يعيشون في أحوال تعسة ومنازل فقيرة، ولذلك فقد وجدت فيهم الحركة الاشتراكية أرضا خصبة جدا لنشر مبادئها ... (10) دور ستالين في الثورة
إن الحقيقة الهامة التي ينساها الناس دائما عن ثورة روسيا الاشتراكية هي أن الذين انتصروا في هذه الثورة؛ وهم البولشفيك، ليسوا هم الذين أسقطوا القيصر نيكولاس الثاني؛ ففي الوقت الذي أجبر فيه القيصر على التنازل عن عرشه كان ستالين منفيا في سيبيريا، وكان تروتسكي على وشك مغادرة نيويورك حيث كان يتكسب من قلمه.
أما لينين فقد كان في سويسرا، وعقد هناك اتفاقا مع الألمان، وهم في حالة حرب مع روسيا، فسمح له القائد الألماني الجنرال فون لودندورف بأن يغادر سويسرا في أبريل من عام 1917 في عربة قطار خاصة مغلقة تحمله وبعض رفاقه الآخرين إلى روسيا عبر الأراضي الألمانية، ويقول لينين تفسيرا لهذا: إن الألمان سمحوا له بذلك وهم في حالة حرب مع بلاده، على أمل «أن تتحول الحرب الاستعمارية إلى حرب أهلية في روسيا»، وبذلك تخرج روسيا من ميدان الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
وفي 17 يوليو من عام 1917، بعد أربعة أشهر من اعتزال القيصر للعرش، وبعد ثلاثة أشهر من عودة لينين إلى روسيا، اندلعت نيران الثورة البولشفية الأولى وتسبب عنها وفاة مئات من المدنيين في شوارع بتروغراد،
4
إلا أن حكومة كيرنسكي تمكنت من إقماع هذه الثورة وشنت هجوما عنيفا على البلاشفة، فاضطر لينين إلى الهرب.
وانقضت فترة استعداد قصيرة، وما إن جاء شهر نوفمبر، وفي الفترة الواقعة بين 7 نوفمبر و16 نوفمبر من عام 1916، حتى تمكن لينين والبلاشفة من الاستيلاء على الحكم بعد إسقاط حكومة ألكسندر كيرنسكي التي باءت محاولتها الديمقراطية بالفشل .
أما ستالين فقد كان خلال هذه الحوادث كلها لا يزال شخصية غامضة مجهولة، ولكنه ما لبث أن بدأ ينمو داخل الحزب عندما عين عضوا في اللجنة المركزية، وكان قد عاد في شهر مارس من عام 1917 إلى بتروجراد، وتولى بوصفه عضوا في اللجنة المركزية للحزب البولشفيكي إدارة جريدة برافدا بالاشتراك مع مورانوف وكامينف. ويقال: إنه ظهرت منه في ذلك الوقت وقبل وصول لينين في شهر أبريل بعض بوادر توحي بقبول أنصاف الحلول والإجراءات حتى بدأ بعض الارتياب في أمره من جانب الماركسيين المخلصين.
Bilinmeyen sayfa