natura naturans » و«الطبيعة المطبوعة
natura naturata » وهو يفرق بين هذين التعبيرين على النحو الآتي: «أعني بالطبيعة الطابعة ما يوجد في ذاته، وما يتصور بذاته؛ أي ما للجوهر من صفات تعبر عن الماهية الأزلية اللامتناهية. وبعبارة أخرى: ... أعني بها الله، بقدر ما يعد علة حرة.
وأعني بالطبيعة المطبوعة كل ما يتلو من ضرورة طبيعة الله، أو أية صفة من صفات الله، بقدر ما تعد أشياء توجد في الله، ولا يمكن أن توجد أو تتصور من دون الله.»
16
هنا تكون الطبيعة الطابعة هي النظام الشامل للأشياء، من حيث إنه ذو وجود ضروري، ولا يمكن أن يتصور بغيره لأن شيئا لا يخرج عنه ، كما أن العلية فيه باطنة؛ أي لا يتحكم فيه شيء خارج عنه. أما الطبيعة المطبوعة فهي الأوجه الجزئية أو المكونات الموجودة في العالم من حيث هي تعبير جزئي عن «الصفات» الشاملة للجوهر: ومن أمثلتها الأجسام الفردية، التي هي أوجه لصفة «الجسمية» الشاملة في الجوهر، وهي أوجه لا تفهم قوانينها بذاتها، بل ينبغي دائما ربطها بالكامل الشامل الذي تنتمي إليه.
ويصف اسپينوزا الطبيعة بصفات ترتبط عادة بالصفات الإلهية ارتباطا وثيقا، فيقول مثلا «وإذا فالطبيعة، التي لا تأتي من أية علة، والتي نعلم مع ذلك أنها موجودة، ينبغي بالضرورة أن تكون كائنا كاملا، من صفاته الوجود.»
17
والمشكلة الحقيقية - إذا كانت الطبيعة في مجموعها تتصف بالأوصاف الإلهية التقليدية - هي أن نحدد نوع الأوصاف التي يعزوها اسپينوزا عادة إلى فكرة الله، لنقرر مدى اتفاقها مع فكرة الطبيعة، وسوف نجد أن البحث في هذه الأوصاف ينقسم إلى موضوعات ثلاثة: (2-1) استبقاء الأوصاف المشتركة بين الفكرتين
في التعريف السادس من مجموعة التعريفات التي يستهل بها اسپينوزا كتاب الأخلاق، يعرف الله بأنه «كائن لا متناه لصفة مطلقة؛ أي إنه جوهر ينطوي على صفات لا متناهية، تعبر كل منها عن ماهية أزلية لا متناهية.»
وينبغي أن نلاحظ هنا، أولا، الدلالة البالغة لنفس فكرة وضع تعريف لله ضمن التعريفات الأولى في كتابه. فمن المشكوك فيه إلى حد بعيد أن يكون هناك أي فيلسوف آخر قد استهل كتابا رئيسيا له بعبارات منها؛ أعني بالله كذا وكذا ... ذلك لأن اللفظ في نظر الفلاسفة التقليديين مفهوم بذاته، لا يحتاج إلى تعريف (إلا إذا جاء ذلك التعريف وسط البحث لإثبات نقطة معينة فحسب). أما إدراج لفظ «الله» ضمن مجموعة أخرى من الألفاظ التي يراد تنبيه القارئ إلى معانيها الجديدة، فهذا أمر لا نلمسه إلا لدى اسپينوزا، وهو عنده يعني أن ينبه القارئ تنبيها صريحا إلى أن تلك الفكرة ليست تلك التي ألفها واعتادها طوال حياته. وفي محاولة التعريف الاستهلالي هذه خروج تام على المألوف في عالم الفلسفة واللاهوت حتى ذلك العصر؛ لأن المفروض أن معنى كلمة الله «يفرض ذاته» على المفكر، وليس المفكر هو الذي يحدد هذا المعنى بقوله: «أعني»؛ فهنا تصبح الفكرة أداة في يد الفيلسوف لإثبات مواقف معينة، وليست فكرة تفرض نفسها على العقل البشري وتأتي معها بمعانيها دون أن يملك هذا العقل تغييرها أو التحكم فيها.
Bilinmeyen sayfa