ويبنى هذا التعريف لصفات الجوهر على القول بأن صفتي الجوهر، كما يدركهما العقل، ليستا مجالين منفصلين «ينقسم إليهما» الجوهر؛ فالجوهر، من حيث هو يشمل الوجود بأسره، لا يتضمن مجالين منفصلين يقف كل منهما إلى جوار الآخر، وكأن الامتداد جزء من الجوهر والفكر جزء آخر منه، وإنما تنتظم كل من هاتين الصفتين الجوهر بأسره، كل تبعا لنوعها الخاص. وهذا هو تفسير عبارة «لا متناه من حيث نوعه» التي يستخدمها اسپينوزا لبيان طبيعة الصفة؛ فصفة الامتداد لا نهائية، وتشمل كل خصائص الامتداد، بل هي تشمل الجوهر كله أو الكون بأسره، منظورا إليه على أنه كائن ممتد، وكذلك الحال في الفكر، الذي لا يشغل مجالا خاصا من الكون «إلى جانب» الامتداد، وإنما هو ذاته الكون كله، منظورا إليه من خلال صفة الفكر. وبعبارة أخرى فالواقع كله، وكذلك كل جزء منه، يتصف بالصفتين معا. ولهذه الفكرة كما سنرى فيما بعد، أهميتها الكبرى في حل مشكلة علاقة الجسم بالنفس، والمادية والروحية عند اسپينوزا.
ولا بأس في هذا الصدد من أن نختبر رأيا طريفا في معنى لفظ «الصفة» وموقعه في فلسفة اسپينوزا، هو رأي «ميرز
Myers »؛ فهو يفسر تعدد صفات الجوهر بأنه يعني تعدد النظم أو النسق
systems
التي تنظر بها إلى الواقع، ويقول: «لقد بين اسپينوزا أن من الممكن وجود عدد لا محدود من النسق (وهي نقطة يزيدها نمو المعرفة تأكيدا)، كما بين أن كلا من هذه النسق يمكن أن يكون فريدا من نوعه
sui generis ؛ أي نسقا صحيحا، لا ينطوي على تناقض داخلي ، ويكون لا متناهيا في نوعه.»
44
وفي موضع آخر يقول: «... إن أفضل طريقة لفهم معنى الصفات عند اسپينوزا هي أن ننظر إليها في ضوء المنظورات (أو النسق) اللامتناهية للموضوع الميتافيزيقي.»
45
وإلى هنا يكون هذا التفسير سليما ومقبولا، ولكنه يمضي بعد ذلك إلى القول بأنه «في الوقت الذي تم فيه كتاب «الأخلاق»، لم يكن من الممكن أن تكون لأية واقعة أو موقف معين سوى دلالتين ممكنتين فحسب؛ أعني من حيث هي فكرة، ومن حيث هي تمثل شيئا ممتدا. أما اليوم فإن هذه الواقعة أو هذا الموقف يغدو له من الدلالات بقدر ما توجد من السياقات المنهجية التي يمكن أن يكون جزءا منها، ولا شك في أن عدد هذه السياقات يتجه، نظريا، إن لم يكن عمليا، إلى اللانهائية.»
Bilinmeyen sayfa