82
وأن الدولة مبنية على عقد بشري، وسلطتها مستمدة من سيادتها لا من الأوامر الإلهية.
83
أما في الدولة اليهودية القديمة؛ فقد خلط اليهود بين السلطتين الإلهية والزمنية بعد أن ولوا موسى على أساس أنه هو المعجزة الإلهية بينهم، واختاروا خلفاءه على أساس هذا التقرب إلى الله: «وبعد أن نقلوا حقهم إلى الله، اعتقدوا أن دولتهم تنتمي إلى الله، وأنهم هم أنفسهم أبناء الله، ونظروا إلى الأمم الأخرى على أنها عدوة الله، وعاملوها بكراهية شديدة ... فلم يكن شيء أبغض إلى نفوسهم من التعهد بالولاء لأجنبي، والوعد بإطاعته ...
وهكذا نظر العبرانيون إلى حبهم لبلادهم، لا على أنه وطنية فحسب بل على أنه تقوى أيضا، ومجدوه وأذكوه بطقوسهم اليومية حتى لم يعد مفر من أن يعد جزءا من طبيعتهم، شأنه شأن كراهيتهم لبقية الأمم.»
وهكذا كان اسپينوزا، الذي مر بتجربة التربية اليهودية واستوعب الثقافة اليهودية استيعابا تاما حتى طرد، أقدر الناس على تشخيص العلل الحقيقية في نفسية اليهود: كراهية الشعوب الأخرى التي غدت جزءا من طبيعتهم، ورفض الاندماج في أي بلد آخر أو إبداء فروض الولاء له، والخلط بين السلطة الإلهية وسلطة الحكم في دولتهم القديمة، وهو خلط لا بد أن ينعكس أيضا على دولتهم الحديثة. ولو صدر مثل هذا الكلام من شخص غير يهودي لأصبح موقعه في تاريخ الفكر اليوم في قمة «أعداء السامية». وهذا بالفعل ما اتهمت به الطائفة اليهودية اسپينوزا أثناء حياته. ولكنه بعد وفاته بقرنين أو ثلاثة أصبح فجأة، في نظر معظم شراحه اليهود، مدافعا عن التراث اليهودي، ومتعلقا بالأمة اليهودية، وزيف العلم وشوهت الحقيقة لكي يضم إلى التراث اليهودي مفكر كان عظيما بحق، ولكن أعظم ما فيه كان تحديه لكل تراث سابق عليه!
خاتمة
إذا كانت كتابات اسپينوزا، بشكلها ومضمونها اللذين عرضناهما في هذا البحث، يقبلان شتى أنواع الاختلافات في التفسير، فإن التطور اللاحق الذي مرت به فلسفة اسپينوزا بعد وفاته يقدم أمثلة ملموسة للنمط الذي تسير عليه هذه الاختلافات، ففلسفة اسپينوزا كانت في وقتها أشبه باختراع سابق لأوانه، وكما أن استغلال الطاقة البخارية لم يتطور بعد أن اكتشف «هيرو
Hero » السكندري
1
Bilinmeyen sayfa