Simon Menno »، الذي قام في بوهيميا في أواخر القرن السادس عشر يدعو إلى الحرية الدينية، ويقاوم تأثير الكلڨينية واللوثرية. وكان صاحب هذه الدعوى يؤمن بعدم جدوى العقائد الثابتة والطقوس والمظاهر الخارجية للعبادة، وإنما كان الأهم في نظره هو طهارة القلب كما تتمثل في فعل الخير وحب الجار والتسامح. وكان أفراد هذه الطائفة يرفضون استخدام أي لون من ألوان العنف في نشر مبادئها، ويحملون دون أي تحفظ على الحروب؛ فحرموا حمل السلاح، وذهب بعضهم إلى حد الامتناع عن الاضطلاع بالمسئوليات والالتزامات العامة حتى لا يضطروا إلى إراقة الدماء في الحرب.
هذه الطوائف كانت ذات رسالات فكرية وعلمية وسياسية إلى جانب رسالاتها الدينية. بل إنا نستطيع أن نقول إن الوجه الديني في نشاطها كان أقل الأوجه أهمية، والذي كان يحدث دائما في تلك الفترة من تاريخ الحضارة هو أن الخلافات الفكرية والثقافية كانت تتخذ دائما مظهرا دينيا سطحيا، وكان أصحاب المذاهب السياسية والفكرية المتحررة يدعون إلى آرائهم الجديدة عن طريق إنشاء طائفة أو جماعة دينية جديدة تتولى الدفاع عن مواقفها أو مهاجمة خصومها في إطار مظهر ديني. ولم يكن النشاط الذي تمارسه تلك الجمعيات عندئذ يختلف كثيرا عن نشاط الجماعات الثورية السياسية الحالية، وكل ما في الأمر أن الأفكار المتحررة كانت عندئذ مضطرة إلى التعبير عن نفسها من خلال مواقف دينية معينة. وهكذا كان اسپينوزا بانضمامه إلى تلك الجمعيات يمارس في الوقت ذاته نشاطا سياسيا وثقافيا ذا طابع ثوري، ويشارك في حركة النقد الضخمة التي زعزعت فيما بعد أسس المجتمع الغربي في جميع الميادين.
ولقد كانت حلقة أصدقاء اسپينوزا في هذه الجمعيات تضم نخبة من رجال عصره النابهين المتحررين (ومن الجدير بالذكر أنها لم تكن تضم صديقا يهوديا واحدا!) ومن هؤلاء الأصدقاء: لودڨيج (أو لويس) ماير
Lodewijk Meyer ، وكان طبيبا مولعا بالآداب، وپيتر بالنج
وكان ينتمي إلى الطائفة المينونية، ويتميز بآرائه المتحررة، «وچارج چلس
Jarig Jelles » وقد ترجم بعض مؤلفات اسپينوزا إلى الهولندية، و«سيمون دي فريس
Simon de Vries » الذي كان من أخلص أصدقائه والمعجبين به. وكانت حلقة من تلاميذ اسپينوزا تجتمع لمناقشة المسائل الهامة في أمستردام، وعلى رأسها سيمون دي فريس هذا، ثم يتصلون به في مقره ليجلي لهم بعض الغوامض التي استعصت عليهم. وقد شرح سيمون هذا نظام هذه الحلقة بالتفصيل في إحدى رسائله إلى اسپينوزا (الرسالة رقم 8 عام 1663م).
على أن مكانة اسپينوزا العلمية لم تقتصر على تلاميذه المباشرين وأصدقائه الشخصيين فحسب، وإنما ذاعت شهرته بين كثير من كبار رجال عصره، سواء في هولندا وفي خارجها؛ فقد تقرب إليه كثير من الحكام؛ إذ يقال إن الأمير الفرنسي «كونديه
Condé » قد أبدى رغبته في مقابلته ومناقشته في مسائل علمية وأراد أن يراه في «أوترخت» أثناء قيادته للقوات الفرنسية الزاحفة على هولندا. وقد اختلفت الروايات في هذه المقابلة وهل تمت أم لم تتم، والأرجح أنها لم تتم. ولكن اتهام اسپينوزا بها قد عرضه لكثير من الأخطار في بلاده؛ إذ إنه اتهم بالاتصال بالأعداء، كذلك تختلف الآراء في صلته بالحاكم الهولندي المشهور «يان دي ڨت
Jan de Witt »: فقال البعض إنه كان صديقا شخصيا لذلك الحاكم، وأكدوا أن النزعات التحررية لدى ڨت، الذي طرد أسرة أورانج من الحكم سنة 1650م وكان أقوى خصوم المذهب الكالڨيني والتعصب الديني بوجه عام، كانت تتلاءم مع دعوة اسپينوزا إلى حرية الفكر وفصل الدين عن الدولة. كما قيل إن دي ڨت كان يسترشد بآراء اسپينوزا في الحكم، وذهب البعض إلى حد القول إن «البحث اللاهوتي السياسي» كان محاولة من اسپينوزا لإيجاد تبرير فلسفي لنظام الحكم الجمهوري المستنير الذي يرأسه دي ڨت. هذا فضلا عن أن دي ڨت ذاته كان ذا عقلية علمية دقيقة، وكانت له دراساته الواسعة في الرياضيات والطبيعيات، فضلا عن إلمامه الكبير بالشئون المالية والسياسية والاجتماعية. كذلك قيل إن اسپينوزا كان وثيق الصلة بعمدة أمستردام «هوده
Bilinmeyen sayfa