ومنذ ذلك الوقت وأنا أسكن هنا في حي أحد الأمراء وذات يوم صليت العصر وخرجت من المسجد متجها إلى الدكان فإذا ذلك الأمير سكران ممسك بعباءة إمرأة شابة يدفعها عنوة وهي تصرخ وتقول أيها المسلمون اغيثوني فلست من هذا الصنف من النساء إنني إبنة فلان وزوج فلان وبيتنا في المكان الفلاني والناس كلهم يعرفونني بالستر والصلاح إن هذا التركي يجرني عنوة لقضاء ماربه الدنيئة لقد أقسم زوجي أنه سيطلقني إن تغيبت عن المنزل ليلة لقد كانت تبكي وتستغيث دون أن يهب لنجدتها احد لأن هذا التركي كان عظيما ومهيمنا وكان له عشرة الاف فارس ولم يكن أحد يجرؤ على أن يكلمه حرفا غير أنني صرخت لمدة قصيرة لكن دون جدوى إذ مضى بالمرأة إلى قصره وثارت في نفسي لذلك التعدي والظلم الحمية الدينية وعيل صبري فذهبت وجمعت شيوخ الحي ثم مضينا جميعا إلى قصره فاعترضنا وصرخنا باعلى أصواتنا ألم يبق بغداد مسلم حتى تساق فيها إمراة من الشارع كرها على سمع الخليفة وبصره لارتكاب الفاحشة معها ان تترك المرأة فبها ونعمت وإلا فها نحن أولاء ماضون إلى بلاط المعتصم نشكوك إليه ولما سمع الأمير صراخنا خرج إلينا مع غلمانه فأوجعونا ضربا وكسروا أيدينا وأرجلنا
ولما رأينا الأمر على هذه الحال لذنا بالفرار وتفرقنا وكان الوقت عشاء فاديت الصلاة وبعد مدة ارتديت ثياب نومي واضطجعت على الأرض لكنه لم تغمض لي عين لشدة ما كنت فيه من إعياء وغيرة واستغرقت في تفكير عميق إلى أن مضى من الليل نصفه وقلت في نفسي إن كان يريد فسادا فقد حقق بغيته الأمر الذي لا يمكن تلافيه وهذا أسوأ من قسم زوج المرأة عليها بالطلاق إن هي تغيبت عن البيت ليلا لكنني سمعت أن المدمنين ينامون حين ياخذ منهم السكر مأخذه وأنهم حين يفيقون لا يدركون كم مضى من الليل حينئذ صممت على أن أصعد إلى المئذنة وأؤذن للصلاة فلربما يظن التركي حين سماع الاذان أن النهار قد وضح فيطلق سراح المرأة ويخرجها من قصره ولا بد لها بعد ذلك أن تمر بالقرب من باب المسجد أما أنا فسأنزل بعد الأذان حالا وأقف بالباب في انتظارها لأوصلها إلى بيت زوجها حتى لاتدقع المسكينة طلاقها وخراب بيتها ثمنا لما حدث
ونفذت ما فكرت به فصعدت المئذنه وأذنت للصلاة وأمير المؤمنين المعتصم لما ينم فلما سمع الاذان في غير وقته غضب غضبا شديدا وقال ان من يؤذن في نصف الليل لمفسد لأن كل من يسمع الاذان يظن أن الفجر قد طلع فإذا ما خرج من بيته
Sayfa 92