55

Beni Rahatsız Eden Sır

سر يؤرقني

Türler

تحسنت أمي، نجت من وعكتها، وبعدما استعادت قواها، لم تنتكس مرة أخرى. ظلت بالمستشفى ثلاثة أسابيع، ثم عادت إلى المنزل واستمرت بفترة نقاهة ثلاثة أسابيع أخرى، ثم عادت إلى العمل، وأنقصت من عدد ساعات عملها؛ حيث أصبحت تعمل من العاشرة حتى الرابعة، بدلا من الدوام الكامل؛ ما يطلق عليه دوام ربات البيوت. ومن حينها أخذت تحكي لكل الناس عن كام وأصدقائه عندما أتوا للمستشفى، كانت تقول أشياء من قبيل: «حسنا، لم ينجح ابني في أي شيء إلا أنه يمتلك موهبة لإنقاذ الأرواح، يجب على المرء الاعتراف بذلك.» أو تقول: «ربما يجب على كام العمل بمجال المعجزات، فما فعله معي معجزة بكل تأكيد.» أما كام فكان يقول حينئذ، كما يقول الآن، إنه غير مطمئن تماما لهذا الدين؛ فقد سئم من هؤلاء القساوسة، وسئم من عدم أكله اللحوم، والخضراوات الجذرية. كان يقول إنها مرحلة في حياته، وإنها تجربة سعد بخوضها، وكانت مرحلة لاستكشاف الذات. ذات يوم عندما كنت بالمنزل وجدته يقيس حلة من ملابسه القديمة وربطة عنق، قال إنه سيجرب الالتحاق ببعض دورات تعليم الكبار؛ إذ يفكر في أن يصبح محاسبا.

كنت أنا نفسي أفكر كيف أنني تغيرت، وأنني أصبحت إنسانة مختلفة تماما عما كنت عليه، كنت بالفعل أتأمل ذلك، قرأت كتابا اسمه «فن الحب»، وأثناء قراءتي له بدأت الأمور تتكشف لي أوضح، لكن بعد فترة من قراءتي له عدت كما كنت تقريبا. كان هارو يقول لي على كل حال ما الذي اقترفه كام ليجرحك بهذا الشكل، وكيف أنني صرت أفضل حالا منه بعد ما مررت بذلك الإحساس في الليلة التي كتبت فيها النجاة لأمي ولم تمت! قطعت وعدا على نفسي أني سأحاول. ذهبت إليهم ذات يوم، وأحضرت لهم كعكة مخبوزة - التي يأكلها كام الآن بسعادة غامرة مثل أي شخص آخر - فسمعت أصواتهم في الفناء؛ إنه الصيف حيث يحبون الجلوس تحت الشمس، وسمعت أمي تقول لأحد الزائرين: «أوه، كنت على وشك أن ألقى نحبي، ثم أتى كام، ذلك المعتوه، أتى ليرقص أمام الباب مع أصدقائه المجانين ...»

زمجر كام قائلا: «يا إلهي، كم مرة أقول لك يا امرأة إنهم أعضاء رابطة قديمة مقدسة.» لكن يمكن القول إنه لم يعد يبالي الآن.

كان لدي إحساس غريب، كنت أشعر كمن يمشي على الجمر ويجرب تعويذة كي لا يحترق بلهيب النار.

التسامح العائلي هو لغز بالنسبة لي، كيف يتحقق وكيف يستمر؟ لا علم لي.

قل لي نعم أو لا

دائما ما أتخيلك ميتا.

لقد قلت لي إنك أحببتني منذ سنوات مضت، منذ سنوات. وقلت لك إنني أحبك أيضا، كنت واقعة في حبك حينذاك. كانت تلك مبالغة. •••

في تلك الأيام كنت فتاة صغيرة، ولكن لم أكن أدرك ذلك؛ لأن الأعراف كانت مختلفة آنذاك. فبينما ترسل فتيات هذه الأيام شعرهن إلى خصورهن، ويسافرن عبر أفغانستان، متنقلات في خفة وسلاسة - كما يبدو لي - بين عشاقهن العابرين المتنوعين والأبرياء، كان النعاس يغلبني وأنا أغسل الحفاضات، مرتدية روبا قطنيا أحمر واجهته مبللة، وكنت أدفع عربة أطفال على طول الطريق المؤدي إلى المتجر (ومن كثرة اعتيادي على دفع العربة كنت أشعر من دونها بخفة مثيرة للقلق وبضرورة إعادة توزيع وزن جسمي فأميل إلى الخلف). كنت أقرأ وأروح في النوم على الأريكة في المساء. كانت أحوالنا نحن النساء في عصري يرثى لها لما نقوم به من عمل شاق، ونحن ذاتنا كنا نشعر بالرثاء لأنفسنا، ولكن، للحقيقة، لم يكن الأمر سيئا دائما، بل كان في بعض الأحيان مريحا؛ الأعمال المعتادة، والمكافآت الصغيرة من القهوة والسجائر، وتبادل الأحاديث المحبطة والفكاهية التي نحاول إضفاء الرسمية عليها مع نساء أخريات، وأحلام النوم المترفة.

في ذلك الحين كنا نعيش في مجتمع يسمى الأكواخ، على حافة الحرم الجامعي، التي كانت في الحقيقة معسكرات للجيش تستخدم مأوى للطلبة المتزوجين. أخذت أقرأ رواية «الجبل المسحور» طوال شتاء كامل؛ إذ كنت أروح في النوم فتقع الرواية على صدري. في بعض الأحيان كنت أقرأ بصوت لدوجلاس، عندما يكون مرهقا للغاية بحيث لا يستطيع بذل مزيد من الجهد، وعندما أنهيت قراءة «الجبل المسحور» كنت أعتزم قراءة رواية «البحث عن الزمن المفقود». كنا نترنح وصولا إلى السرير يحتضن كل منا الآخر يجمعنا الاشتياق إلى النوم، ولكني كنت أقوم عن الفراش من حين لآخر في وقت لاحق وأدخل الحمام لأضع العازل الأنثوي حتى لا يحدث حمل. ولو نظرت من النصف العلوي لنافذة الحمام خلال الفجوة في الستائر البلاستيكية لاستطعت رؤية الأنوار في نوافذ بعض حمامات المستعمرة الأخرى، ويمكنني تخيل الزوجات الأخريات وهن يؤدين نفس مهمتي في المساء ويضعن العازل الأنثوي. فالمخلوقات ذوات الاستخدام النهاري اللاتي لا تراهن بعيدات عن الرضع ومواقد الكيروسين وأحواض الغسيل يتحولن الآن إلى الاستخدام المسائي لهن بما يصاحبه من شعور - سرعان ما يخبو - بالذنب والتألق في الوقت ذاته. أتذكر في ذلك الزمن البعيد - من أربع أو خمس سنوات؛ إذ تبدو تلك الفترة مدة طويلة في الواقع بالنسبة لي - كيف أن الجنس كان يبدو لي مروعا (كنا نقرأ أعمال لورانس، وكانت العديدات منا عذارى حتى سن العشرين). أما الآن فقد تقلصت تلك العلاقات إلى علاقات خاطفة رتيبة تحتضنها بشكل مناسب بما فيه الكفاية هذه المآوي ولا تخرج عنها. لم أشعر بشيء ملموس جدا في حياتي كما شعرت بالحرمان. وببساطة شعرت بالتغيير كما يشعر المرء بتضاؤل بهجة الكريسماس. ظننت أن مثل تلك التغييرات قد حدثت لأنني كبرت وصارت الأمور مملة بالنسبة لي. الكلمة التي دأبنا على استخدامها هي «ناضج»؛ حيث كنا نلتقي شخصا كنا نعرفه منذ بضع سنوات مضت فنقول إن هذا الشخص قد نضج كثيرا. لعلك تعرف كما يعرف الجميع الأوهام التي كنا نشترك فيها جميعا في الخمسينيات؛ فمن السهل جدا أن تسخر منهم، وأن تقول إن من علامات النضج امتلاك غسالات أوتوماتيكية وكتمان السخط السياسي وإدمان إنجاب الأطفال واقتناء السيارات. سهل جدا ولكنه ليس الحقيقة كاملة؛ لأنه يتغافل عن شيء كان جذابا، كما أعتقد، في منطقة ثقلنا وسيطرتنا: حبنا للحدود.

Bilinmeyen sayfa