قوص زيد بما عليه، أفلا ترى إلى زيادة المد فيهن بوقوع الهمزة والمدغم بعدهن، وهن في كلا موضعيهن يسمين حروفا كوامل، فإذا جاز ذلك فليست تسمية الحركات حروفا صغارا بأبعد في القياس منه.
ويدلك على أن الحركات أبعاض لهذه الحروف، أنك متي أشبعت واحدة منهن حدث بعدها الحرف الذي هي بعضه، وذلك نحو فتحة عين عمر، فإنك إن أشبعتها حدثت بعدها ألف، فقلت عامر، وكذلك كسرة عين عنب، إن أشبعتها نشأت بعدها ياء ساكنة، وذلك قولك عينب، وكذلك ضمة عين عمر، لو أشبعتها لأنشأت بعدها واوا ساكنة، وذلك قولك عومر، فلولا أن الحركات أبعاض لهذه الحروف وأوائل لها، لما تنشأت عنها، ولا كانت تابعة لها.
ويزيد ذلك وضوحا لك، أن جميع حروف المعجم غير هؤلاء الثلاثة الأحرف لك أن تأتي بكل حرف منها، بعد أي الحركات شئت، ولا تجد مع ذلك نبوا١ في اللفظ، ولا استكراها، سواكن كن الحروف أو متحركة. وذلك نحو اللام من سلم وسلم وسلمى، وكذلك العين من سعد وسعد وسعلاة وسعاد وسعيد وسعود، فأما استكراههم الخروج من كسر إلى ضم بناء لازما، فليس ذلك شيئا راجعا إلى الحروف وإنما هو استثقال منهم للخروج من ثقيل إلى ما هو أثقل منه.
وأنت لو رمت٢ أن تأتي بكسرة أو ضمة قبل الألف لم تستطع ذلك البتة٣ وكذلك لو تكلفت الكسرة قبل الواو الساكنة المفردة، أو الضمة قبل الياء الساكنة المفردة، لتجشمت٤ فيه مشقة وكلفة٥ لا تجدها مع الحروف الصحاح، وذلك نحو فعل من القول والطول٦، وأصله أن تقول قول وطول، ثم تستثقل ذلك، فتقلب الواو إلى الكسرة قبلها ياء، فتقول: قيل وطيل، وقد قالتهما العرب مقلوبين
_________
١ نبوا: نبا الشيء: أي تجافى وتباعد وبابه سما. لسان العرب "٦/ ٤٣٣٣". مادة "نبا".
٢ رمت: طلبت، رام الشيء أي طلبه وبابه قال. لسان "٣/ ١٧٨٢". مادة "ر. و. م".
٣ لم تستطع ذلك البتة: أسلوب نفي وغرضه التعجيز. أي أنك تعجز عن ذلك.
٤: لتجشمت: جشم الأمر من باب فهم، أي تكلفته على مشقة. لسان العرب "١/ ٦٢٩".
٥ كلفة: مشقة. لسان العرب "٥/ ٣٩١٧". مادة "ك. ل. ف".
٦ الطول: الفضل والغنى واليسر. لسان العرب "٤/ ٢٧٢٨" مادة "ط. و. ل".
1 / 34