قال النبي صلى الله عليه وسلم ' رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قالوا يا رسول الله : وما الجهاد الأكبر ؟ فقال : ' هي مجاهدة النفس . وقال صلى الله عليه وسلم : ' أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك ' . وقال صلى الله عليه وسلم بعثت : ' لأتمم مكارم الأخلاق ' . وأعلم أن النفس أخلاقها ذميمة غير مستقيمة فإن فيها مع صغر حجمها كما قلناه - ما في السموات والأرضين . وهي النار الموصدة فيها ذئاب الغيبة وكلاب الشهوة وسباع الغضب . ونمور المخالفة وثعالب الحيلة . وكمين الشياطين بعسكر الهوى ومناجيق الامتحان ووساوس القبيح : كل هذا ممكن تحت قلة قلعة النفوس محيط بربصنها وحصنها . وأعلم أن القلب مدينة وساكنها الملك وهي النفس اللطيفة المدركة العالمة الطاهرة الربانية الخارجة عن صفة النفخة المشار بها إلى الروح وهي محجوبة بالأبخرة الظاهرة المتولدة من دم القلب الذي هو الشكل الصنوبري واللحم المجوف وما هذا هو . القلب المخاطب وإنما العقل ، فهو المخاطب من قوله : تعالى ( فأتقون يا أولي الألباب ) وقوله ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) وهو معنى قوله : ( أذن واعيه ) والنفس المشار إليها هي أسيرة الشهوات مقيدة بقيد الغفلات مشوهة مستورة . بالخيالات عاشقة للدنيا قد أطعمت ببخسها فأصبحت مخبطة سكرى قلقة حيرانة مشغولة بخدمة الجسد الترابي تحمله للكنيف مشغولة بتربيته وتغذيته الفته فعشقته فإذا فرق بينهما تأسفت حتى إذا مر عليها بمثل قدر ما خدمته بطون المدة نسيته وأنكرته كأنها ما عرفته فإذا ردت إليه نفرت حتى تسمع إشارة القدس ( يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك ) هذا خطاب موجد لموجود غير مفقود إذ لا يجوز خطاب المعدوم ومن شواهد ذلك قوله . صلى الله عليه وآله وسلم : ' تعرض على أعمال أمتي في كل أثنين وخميس فما كان من حسنة أسر بها وما كان من سيئة استغفر لها اشتد غضب الله على الزناة ' وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ' أكثروا من الصلاة علي فإن صلاتكم علي معروضة ' فأيها المكذب المذبذب الغافل المتأول أراك تعجز الصانع القادر لزعم يا مسكين أن لا عود للجسام والأرواح إلى الصانع القديم القادر أهو ذاك أم غيره سواه أتتجحد عليه وتتحكم وتعجزه في قدرته وآيته ونبوته أفمن رباك في بطن أمك أفلا يربيك في بعطن قبرك ثم ، تقول تختلط العظام بعضا ببعض فكيف السبيل إلى تخليصها فأنظر إلى الصانع كيف يخلص التراب وبرادات الذهب والفضة والحديد وهي أجزاء تعجز أنت عن خلاصها فالصانع القادر ليس بمعجز ولا يدخل تحت طوق ما تريد وإنما أنت عاجز تعجز وتغتر بمقالات أبي علي بن سينا . أقد صار عنك أصدق من محمد صلى الله عليه وسلم فأنظر إلى فعل هذا وهذا ثم احكم بالفسق والعدالة وأرفع الحكومة إلى حاكم عقلك في التصديق والتعديل وأحسبهما حكمين فإن قلت هذا عقل وهذا نقل فأنظر ما يذكرون لك من حوائج طلبك إلا تسأله عن خواصها وبراهينها وتقول . لم يقبض هذا ويسهل هذا فيكون جوابك عنده إنما أنت معارض أم مريض فكيف تعارض طبيب أخرتك وقد كان الذين قبلك اكثر منك بصيرة وعقلا علموا أن الاعتراض والتعجيز كفر فاسلموا منه وآمنوا . فجاهد نفسك واتبع شرعك فلا تخالف نبيك واكرم كتابك فهو هدية الله اليك . وقبيح بمن أكرمه ملكه بهديته أن يستهين بها وعن قليل تلتقي وتتواقف وتستحي وأن كانت الروح راجعة إلى مبادئها عند بارئها فان صدق الشرع فهناك يتبين غليظ التوبيخ والجماهير أكثر منك إذا أنت منخرط في سلك نظام الآحاد لا التواتر تبعث طاعة نفسك فأردتك إلى البلايا وإلا فأنظر الليل والنهار والصيف والشتاء والربيع والخريف وتنقل الأحوال فيهما وإحياء الأرض بعد موتها ونومك وانتباهك بغير اختيارك وآيات كثيرة أنت عنها غافل ثم ارجع إلى مجاهدة نفسك تمح صفاتها الذميمة وأتثبث صفاتها الحميدة المستقيمة فأقمع الغضب بالرضا والكبر بالتواضع والبخل بالبذل والإمساك بالصدقة والصمت بالذكر والنوم باليقظة والشبع بالجوع والغفلة بالانتباه والخلطة بالخلوة والاشتراك بالعزلة والمداهنة بالصدق والشهوة بالقمع والباطل بالحق فإذا محوت صفات آفاتك بان لك عند رفع ستر الغفلة كيف تحي الموتى وهو ، على كل شيء قدير . لكنك شيطان مريد . وتزعم انك لله مريد فأين آثار حلاوة التوحيد . نام واحد من بني إسرائيل في موعظة داود عليه السلام فأوحى الله تعالى أن يا داود من أدعى محبتي ثم ينام عند ذكري فقد كذب لما أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل عليه السلام في منامه فقال يا أبت هذا جزاء من نام عن خليله وآدم لما نام خلقت حواء قال الشاعر شعر . عجبا للمحب كيف ينام . . . كل نوم على المحب حرام وأعلم أن قلبك هو المدينة التي أشرنا فيقدم شيطان نفسك إلى تعبئة جيوش الهوى وعساكر حب الدينا ونقاب الوساوس ونقاب التمني ومشاغل سوء الظن ومناجيق المخالفة وبوق الكبر وطبول إساءة السمعة وأسياف خيل الشره وزحف رجل المكر : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك فإذا أحاطت هذه الجيوش بهذه المدينة ولم يكن لها زاد ولا رجال من الأخلاق الحميدة هلكت المدينة إن لم يدفع عنها البلاء وسلب الملك وخربت مدينته ونام عنها حارس الذكر وتهدمت أبراج الصدق وقعد شيطان النفس على سدة أسرار القلب وهتك أستار خزائن الأعمال ودارت في المدينة عوانية الشك وقطعت أشجار المعاملة ونهبت أموال الأعمال وأكلت ثمار الآمال ووقع الشك في الكتاب ونفرت النفوس من مصاحبات الأصحاب وعصى كل مولاه وتبع كل منهم هواه وكبكبوا على مناخرهم في النار : ( و قالوا يا ويلنا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا أم زاعت عنهم الأبصار ) وكل ما الناس فيه من التشكيك والبلايا هي الشبه والحرام . وإلا فصف زادك وأنظر لشرح نور الإيمان في سرك وفؤادك ينكشف لك زادك ليوم بعثك ومعادك هي النفس ما عودتها تتعود . وأعلم انك بنفس المجاهدة تهذب نفسك حتى تصير ملكا روحانيا . وبمتابعة الغفلة والشهوات تصير شيطانا رجيما فجاهد النفس الأمارة بالسوء تمح صفات آفاتها حتى تصير لوامة ثم انقل اللوامة إلى مقام المطمئنة كما ينقل السلطان فراشه إلى مقام الكاتب ثم إلى مقام الوزير ثم يتصرف مع نصحه في ملكة فينظر إلى حسناته فيكون عنده سيئات هذا مقام حسنات سابقة كما قيل : ' حسنات الأبرار سيئات المقربين لما . والطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق . والمقامات تعلو مع الأنفاس : كان صلى الله عليه وسلم يعلو من مقام إلى مقام وهي مقامات الكشف ، و المعارف بها نبه حيث قال : ' إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ' . والرين أشد من الغين وأسمع نظم أمير المؤمنين علي عليه السلام في النفس : صبرت عن اللذات حتى تولت . . . و ألزمت نفسي صبرها فاستمرت و كانت على الأيام نفسي عزيزة . . . فلما رأت عزمي على الذل ذلت و قلت لها يا نفس موتي كريمة . . . فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت . . . و لا البخل يبقيها إذا ما تولت و ما النفس إلا حيث يجعلها الفتى . . . فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت فهذبها وعذبها وقربها من بابها وأنظر مقام الأنبياء والأولياء فيها وأغتنم الثواب والثناء فما ذكر الصادقين كذكر الفاسقين . ( و لتعلمن نبأه بعد حين ) . وقد سمعت مقالات اللعابات . وكم لي كرارا . فلك لذا التواني غائلة وللقبيح خميرة : يتبين بعد قليل والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا . ولكنك كالعود النخر لا يحمل ثمرا ولا يظل بشرا وكالمرأة القرعاء التي باهت صاحبات الشعور بشعر الزور فإذا كشفت عن رأسها هتكت بين جلاسها وأنت قد رضيت بقعقعة ثيابك ونذل ثوابك . غدا ترحل القوافل . وتبقى على الطريق يا غافل . وتقعد بغير زاد وتقول لشاويش القافلة أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت : هيهات غلق الرهن فلا يقال . قالوا يا رسول الله ما السر في نقطة دمعة الميت على خده فقال أما الصغير لما يشاهد من حال أبويه في اللوح وأما الكبير فيكاشف بأعماله وانتقال زوجته وأمواله فبم تتنبه وهذا الحال أنت فيه وبه كما قيل عود نخر ما يحمل وأقرع ما يمتشط وما يجيء من مربح مزبلة لسبيل فأنا أرفعك وهمتك لصنعك . لا شك أن الغلبة لك . فمن كانت همته ما يدخل في بطنه كانت قيمته ما يخرج منها : إن فهمت فأنتبه . وإلا فأنت بنفسك أخبر ونصحت ولكن لا تحبون الناصحين .
Sayfa 89