أعلم أن نفسك أشد عداوة لك كما في الحديث ' نفسك التي بين جنبيك هي أعدي عدوك ' تدعوك إلى الوبال وترشدك على الضلال وتوقعك في الدناءة وتركبك نفس الهوى وتوقعك وتطعمك وتهلكك وتملكك فأقطع خصالها وخلالها وشرهها وشركها وطمعها وولعها وشبعها . وفي الحديث أن الله تعالى لما خلق النفس قال لها : من انا ؟ فقالت : وأنا من أنا ؟ فعذبها بأنواع العذاب فكلما قال لها من أنا فتقول وأنا من أنا حتى عذبها بالجوع والتواضع فقال أنت الله الذي لا آله إلا أنت فنفسك زنجية تطالبك بالشهوات فإذا شعبت طمعت وإذا عصيت رفضت . هي الموقعة في البلايا وهي أم الرزايا . هي الذئب الكلب والأسد الحرب والكلب النهم . والعدو القرم . داؤها كثير ودواؤها قليل . وأعظم وسائل السلامة منها الخلاف لها شعر . إذا طالبتك النفس يوما بشهوة . . . و كان عليها للهواء طريق فخالف هواها ما استطعت فإنما . . . هواها عدو والخلاف صديق ولا يجد المريض حسن الشفاء إلا بالصبر على مر الدواء . فعذبها بما تهذبها فقد أنشد البستي لنفسه شعر . العاقل يهزابي . . . و الخلوة تهذيبي ما أصعب أحوالي . . . و نفسي كالذيب فإذا عزمت على تهذيبها فاضربها بسياط تعذيبها وأقمع بالتواضع كبرها وأطبخها بنار الامتحان . وأجعل العلم لها سيد الأخدان . والعمل الصالح لها مولي الخلان وتعلم الأخلاق اللطيفة . وتكسب الأعمال الصالحة والطف وإطراف وتكايس ولا تتيابس . وأعلم أن الله لطيف وليس من شأن اللطيف أن يعذب اللطيف والمهذب لنفسه والمعذبها بنيران المجاهدة . وأعلم أن الخير عادة والشر لجاجة . فربها بالنوافل وهذبها بين يدي شيخك بالسمع والطاعة . وأعلم أن حرمة الشيخ أعظم من حرمة الوالدين . والشيخ هو الوالد على الحقيقة والمرشد إلى الطريقة والخرج للمريد من ظلم الجهل إلى نور المعرفة وإلى السعادة الأبدية والنجاة الحاصلة والالتحاق بالملائكة لأن الشيخ هو الطبيب للذنوب أو الوالدان فهاجت نيران شهواتهما لقضاء الوطر وجنيت أنت من ثمار الشهوة ما تقدمت نيتهما بإيجادك عند الوطء وكان سبيا لإخراجك من ظلم العدم إلى ظلم الجهل ودار المكايدة والعناء فقد أجادا نقلا وقصرا عقلا . وأنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبة يوسف بن علي شيخ الإسلام . أنا صائم طول الحياة وإنما . . . فطري الحمام ويوم ذاك أعيد قد فاز من صبح وليل أودنا . . . شعري وأيدني الزمان الأيد قالوا فلان جيد لصديقه . . . كذبا أتوا ما في البرية جيد فأميرهم نال الإمارة بالخنا . . . و نقيمهم بصلابة يتصيد كم من تشاء مهجنا أو خالصا . . . فإذا رزقت حجي فأنت السيد و الله ما سمعوا مقالة صادق . . . إلا وظنوا أنه متزيد هذا الشعر في بحر لزوم مالا يلزم . ومن علامة علمك أنهم إذا مرجوا لا تلتفت وإذا مزحوا لا تتزلزل وإذا كابروك لا تحول . وكابد نفسك عن المزاعقة والمصايحة فالكبر مطيب النفس فإذا أردت الغاية الكبرى في تهذيبها فأقصرها في بيت أربعين صباحا أو أربعة أشهر . وهو الأفضل وانقطع كأنك ميت ولا تبق لك حاجة . وحصل من الزاد ما وافقك وأعانك . كما تحصل طريق مكة ثم اركب مطية متابعة الشرع ثم سر في فلوات قمع النفس وليكن البيت مظلما وزمان الشتاء أولى ولا تأت بغير الفرائض من الصلوات ولا تنم إلا عن غلبة وكل ثلثي أكلك بعد الجوع ومقداره من اللقم الوسيطة ستة وثلاثون لقمة وليكن ذكرك لا آله إلا الله الحي القيوم فإذا كل اللسان فقل بقلبك ولا تخف من الواردات عليك فقد يجيئك صورة قبيحة وخيالات قاطعه وجن وشياطين وملائكة ومعلمون فواحد يقول أعلمك الكيمياء وآخر يمنيك بالكنوز وهذا يوعدك وهذا يهدد فلا تلتفت فأنه سيطهر لك مع الصدق وترك التجربة عجائب وفنون فعند ذلك تذوب كثائف الحجب عن القلب وترفع ستور الغفلة بين قلبك وبين اللوح المحفوظ فتشاهد ما فيه وتنقل إلى الخلائق معانية وينكشف لك في اليفظة ما كنت تشاهده في المنام فيستنير القلب وينشرح الصدر بأنوار الجلال وتنحرق الكائنات وتنكشف المستورات وتظهر الكرامات التي هن أخوات المعجزات . وبينهما فرق في التحدي والإظهار والاستتار بل إذا وصل العبد إلى درجة التمكين صار الكل بحكمه ما شاء فعل أو قال : ( و أما بنعمة ربك فحدث ) وكلما تجده في الخلوة تعرفه شيخك فالشيخ في قومه كالنبي في أمته . ومن ليس له شيخ فالشيطان شيخه ومن مات بغير شيخ فقد مات ميتة الجاهلية : فيعلمه ويدله وبعرفه طريق الوصول إلى الله تعالى وصاحب الخلوة يهب عليه نسيم القرب من دواخل الحجب وكشف له أسرار قلوب المخلوقين ويزوره الإبدال فتراه فرحا طيب الخلق حسن العشرة دعب لعب : لان الله يكون قد تجلى بقلبه فيسمع كلامه ويبلغ منه مرامه ويكشف شموس المشاهدة ويعلم المخفيات ويطلع على الكائنات . ومن علامات الواصل بالله حسن الخلق وكثرة العلم وحلاوة الكلام والتواضع . وصاحب هذا الطريق مع علمه العزيز لا عبوس ولا حقود ولا متكبر ولا ظالم ولا متجبر ولا أكول ولا شروب ولا نؤوم : نفسه ملكوتيه . قوى جبرائيل همته . ونفخ إسرافيل سعادته في صور همته فحدا به حادي محبته . وسار به في بيداء معرفته حتى تجلى له بيت الجلال . فأنكشف منه خاصية يمشي بها على الماء والهواء ويطوى له بها البعيد . فاقربوا من هذا الرجل تكتسبون من قربة وفيض خاصيته ما اكتسبه الهلال من قرب الشمس وربما ينتقل أحوال الإبدال إلى التلاميذ والمريدين كما انتقلت النبوة من موسى إلى يوشع ابن نون . وأعلم أن هذه الأحوال والمقامات لا يصدقها إلا من عرفها كما لا يصدق علم الكيمياء إلا من عالجه وعرفه فكل من يكلم . عند الصانع الواصل العليم فقد هدى فان الأعمى لا يبصر القمر والزمن لا يعد وخلف الطريدة وأنت تغيب وليس فيك نصيب ولا أنت محب ولا حبيب بطنك ملاءة وعينك محيطة ولسانك معقود وعلمك قليل واملك طويل وذنبك عزيز وربك بصير . فاسمع مناديك في جانب واديك : قال : لا تعب الحرائر حتى تكون مثلهم ، واخش بمفلح نادى من وراء اللوح ، فأحسن الظن فإنك قد طرحت فطرحت وجرحت فجرحت ولو أوصلت لوصلت ولو خدمتما لخدمت لكنك متشبث تجعل ط م ع وهي خالية من النقط فهلكت وما ملكت وما فاتك فاتك والندم تجده عند وفاتك . وأعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون : شعر : قل للكئيب المعنى . . . إلى متى تتعنى فلا حياتك تصفو . . . و لا بنا تتهنا
Sayfa 82