أعلم أن الملك عظيم وعقيم عليه وقع الاشتباك والمناقشة بين الصالح والطالح والخاسر والرابح فمنه يتشعب الحسد وكل عرض وغرض مزعزع فلا بد من أصل ومرتبة وتحصيل وصبر وجمع أموال لبلوغ الآمال وأم الغرر في تحصيله هو علو الهمة : كما قال معاوية رفي الله تعالى عنه هموا بمعالي الأمور لتنالوها فإني لم أكن للخلافة أهلا فهممت بها فنلتها . وقد سرت بك قصص الأولين فأنظر في أخبارهم وآثارهم فما بلغ أحد درجة الملك باب وأم غير قليل وكم نزع الملك من يد وارث مستحق مثل بيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . فصل من قصة ذي القرنين وهو صعب بن جبل وأبوه نساج واسم أمه هيلانة : كان يتيما في بني حمير سمعت أمه ببيت الصنائع في مدينة قسطنطين فحملت أبنها إلى ذلك البيت فشاهد صورة الملك فوق الصنائع فقالت أمه يا بني اختر منها ما تريد فوضع يده على تاج الملك فانتهرته مرارا فلم ينته فنظر إليها يونان فقال لها أنت هيلانة وهذا ابنك صعب بن جبل فقالت نعم فقال آخذ عهد ذي القرنين وزمامه على أني وذربتي في أمانك فأنت الملك الذي تسحب ذيلك بطريق التملك شرقا وغربا فحملته أمه إلى أرض بابل كاتمة أمره فكان من بدو أمره وشواهد سعادته ثلاث منامات رآهن في ثلاث ليال فأولهن أنه رأى كأن الأرض صارت خبزا فأكلها وفي الثانية رأى كأنه قد شرب البحار وأكل طينها وفي الثالثة رأى كأنه رقى في السماء فقد نجومها ورماهن إلى الأرض وركب الشمس وسحب ناصية القمر فلما اجتمع بالخضر عليه السلام فسره عليه فبشره بنيل الملك الأعظم وستصحب نبيا وحكيما وكم من مثله . إن اعتبرت فاركب بسر علو الهمة وحصل الانتهاء ليتم لك كيمياؤها وصير عندك نديما كاتما مطلعا على كتبها أعنى بها كتب سر العالمين ثم حصل أرباب صناعة التقليب الذين هم علماء تقلب الكيمان قادرين على صبغ الأحمر والأبيض فان كنت قليل الرجال ضعيف العضد وقليل المال فكن كثير الفضل والعلم واتخذ لنفسك زاوية على طريق التزهد واجذب إليك تلاميذ وكثر عددهم واتخذ طريق الكرامات لينصبوا إليك واستهو الكبار واسلك طريق الصلاح وزنها لنفسك واختل فإذا هب نسيم سعادتك فاكشف لتلاميذك ما الناس عليه من الفسق والفجور وارتكاب مالا يجوز من كل أمر منكر وأمر أصحابك تستهوى وتجذب كل طائفة منهم لطائفة قوم آخرين فإذا أستقوت شر ذمتك فخذ الخواص من الناس باللين والموعظة والمعاندين بالجدل وأولى الغلظة بالغلظة ألم تر إلى بدو الإسلام . ( قل يا أيها الكافرون ) . فلما وصل إلى قمة السعادة قر سيفه : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) . وعند الضعف والمسالمة أخذ الجزية والصلح : ( و إن جنحوا للسلم فأجنح لها ) . وعند ربح السعادة . وارتفاع إطناب خيم الإرادة : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) . فكن أيها الطالب للملك على هذه الوتائر : وخاطب الناس على قدر عقولهم واظهر العدل واحترم أولي الفضل وأشبع الجند واجبر الكسير وانصف ولو من نفسك واشبع حجابك وحكامك وعض لك فإن لم تفعل سرت الرشوة إلى بطلان الحق وتعطيله وفشا ظلمك في الرعية ومالت القلوب عنك وربما ذهبت باطنا وظاهرا وأعلم أن المظلوم له همة تكون وافية في عكس أغراضك مثل همم أرباب الاستقامة فإنها مؤثرة في الفلك لاستجلاب ماء الغمام . وسأتلو عليك قصة السلطان ابن سملتكين وقد نفذ رسولا إلى ملك الهند وقال ما سبب طول أعماركم مع جحودكم للصانع وتكذيبكم للرسل والوسائط ، ونحن قصار الأعمار مع تصديقنا وإيماننا فقال ملك الهند لرسوله انظر إلى هذه الشجرة التي فوقها ثمرة لا أعطيك الجواب حتى تنقطع ثم أمر بالإدرار عليه وحسن الإقامة فضاق صدره وتعلمت همته بقلعها فلم يك إلا مدة قريبة إذ سمع هزة وقع ، والناس يهرعون ومشى معهم فإذا الشجرة واقعة والملك مفكر فلما بصر الملك بالرسول قال له اذهب فهذا جوابك وقل للسلطان هذه همة واحدة أثرت قلع شجره مثمرة فكيف همم جماعة من المظلومين لا تؤثر في قلع الظالمين إذ دعاء المظلوم محمول فوق الغمام . وقد ورد في بعض الكتب السالفة أنا الظالم إن لم أنتقم من الظالم . وأعلم أن العدل وبسط باع السلطنة بالهيبة مثل القتل والصلب والقطع يثمر الأمن وتمهيد الأرض وطمأنينة قلوب الرعية إذ السلطان ظل ربه في الأرض وملجؤها يأوى إليه كل مظلوم ولا تستهب وضع الشيء في مكانه إذ القتل أنفى للقتل : ( و لكم في القصاص حياة ) . وكان عمرو بن العاص صحابيا بدريا نبه معاوية رضى الله عنه وجسره على فظائع الأفعال بقصائده اللامية والنونية التي قال فيها معاوى في الخلق لا نفد له معاوى إني لم أبايعك فلتة فينا ولو مرة في الدهر واحدة و كم للشيخ عندي من خزايا . . . تدل لها المغازي والمخازي وطريق آخر في استدعاء المملكة وترتيبها وهو بذل الأموال وطريق آخر وهو بالسيف معقود لكنه مفتقرة إلى ترك الشح مع الجند وإجلا دعوة المظلوم ولا يتعرض إلى الشقوص الموقوفة ولتجعل للرعية والسواد في كل يوم مدة لمطالعة أحوالهم فقد يتشعب الظلم مع الغفلة لا سيما مع الحجاب والعمال ولتنظر في مخازي الكتاب فما كذبت بنت كسرى إذ سمته ديوانا ولتنظر في وقت العشى ما كتبه الكتاب بالنهار ، لا يتم عليه حيل أرباب الدساتير فكم من مظلوم عن حقه صد لغفلة الملك عنه . فإذا أردت أن لا تنحجب عنك حال فامنع الكلام وأمر بأخذ القصاص ووقع فيها بما تراه والله تعالى أعلم .
Sayfa 12