فلم يزل سعيد المشهور بالخيال ن وجماعته ومن تابعه من الرجال، كامنين البغض للإمام، ناكثين العهود والذمام، مكاتبين الجبور على الدوام، حتى أدخلوا الجبور الصبخرى في بعض الأيام، وقتلوا رجلا من الضحاحكة ومن قضى الله عليه من شراة الإمام وغيرهم إذ لا يحصى عددهم إلا ذو الجلال، حتى حصل جيش مولانا الإمام في الحال، ثم وقع ما بينهم القتال والنزال، وأمور معضلات هائلات لا تزال، ووقعت بالصبخرى وقائع كثيرة، وأمور معضلات عسيرة، منها وقعت بمكان يسمى بالعجيفة، وهي وقعة شديدة مخيفة، ومنها وقعة بمحلة تدعى الغابات، إذ بها من القوم كل يكابد مصابه، ومنها وقعة بمكان يسمى بالمظهرة، ما زالت بها نار الحرب مسعرة، ومنها وقعة بمكان يسمى بالزيادة إذ بها كل استلأم بلأمة حربه وتسم جياده، وهي وقائع شديدة وفجائع مكيدة، حتى كاد ركن الإسلام فيها أن يتضعضع، ويذعن من حولها كل سميدع وبخضع، وكثير من القوم من أدبر عن والي الإمام وما بقي معه إلا القليل من الأقوام وهو في حومة العدو محيطة به الأضداد مشتملة عليه جميع العتو والعناد، وقد كان عزمه أن يوهي من الخوف والوجل، ولم يزل معتصما بالله عز وجل، فيقر محصورا بحصن الغبي من السر صابرا على ما يعانيه الألم والضر، والوالي بها إذ ذاك وهو محمد بن سيف، المطهر من الدنس والدرن والحيف، حتى أذن الله تعالى بلطفه المكين، وأيده بنصره كافة المسلمين، وكان السبب الداعي لذلك تحقيق الخبر عند والي الإمام وهو محمد بن سيف ذو السطوة التي لا تلام، فجيش الجيوش ووجهها لقصد أخيه ناصرا له ومفرجا عنه مما هو فيه، ودخل البلد من غير علم من الأضداد وجاهد في ذات الله أشد الجهاد، وفرق الجموع في سائر البلاد، فمنهم منن التجأ إلى الصخبرى فخاف، فخرج منها هاربا يقطع القفاف، ومنهم من ينقل نقلا بلا اختلا ف، وهي في ملك ناصر بن قطن بن جفير، وأيد الله المسلمين بالثبات والنصر، فحازوا فيها على الناس فضلا وفخرا، وفازوا بما فعلوه دنيا وأخرى، ون يتق الله يجهل له من أمره يسرا وقال المؤلف في ذلك شعرا:
=""
لقد زال العناء ثم القسام =وقد لاح الهدى وبقي الظلام
وولت جملت الأحزان عنا =عشية مالنا ظهر الإمام
به قد أيد الإسلام حقا =على الأديان واندرس الحرام
إمام الدين أنت لنا سراج =يضيء الناس والبدر التمام
بدولته قد ذهبت هموم =نكايدها وقد طاب المنام
ومن عجبي إذا ما فهت يوما =بمدح فيه ساعدني الكلام
لقد ملكت مودته جسوما =وأفئدة لنا ثم العظام
ومن نعم الإله على البرايا =دوام إمامنا وهو المرام
به كفى الملا شرا وضرا =وعوفي الدين وأنجاب القيام
ألا يا أيها الباغي عتوا =تحاذره وتخشاه الأنام
ترفق فالهداية نعم فخر =لمدخر وإلا فالحسام
فمن أعطاه رب العرش نصرا =وأيده لعمرك لا يضام
فطرق الحق أوضح كل الطرق =لسالكها وعقبا للسلام
فما زال الإمام لنا سراجا =يضئ الناس ما سجع الحمام
ففي الغبي قد حلت حروب =لها نار يشب لها ضرام
ففي الغبي قد تلفت نفوس =عزيزات هنالك لا ترام
وفي الغبي قد ثارت غبار =كان قيامها يوما غمام
وفي الغبي قدت رقاب =كان بهاءها البدر التمام
بها الوالي يصالي بالعوالي =فلا يخفونه يلج المنام
محمد ذي التقوى على =يجاهد ليس يثنيه الحسام
حوى صبرا فجاز به فخارا =له في جنة المأوى مقام
قال الراوي لهذه العبارة والحاكي لهذه الإشارة:
Sayfa 18