فنجد وصفا للمعارك التي قامت بين الهلالية، والعقيلي، وحنظل، والهيدبي، ثم تنتهي إلى الاصطدام بين أبي زيد ودياب، ولا تنتهي هذه الحلقة إلا بعد أن تطيل في الحديث عن بطولة العرب عامة والهلالية خاصة وانتصاراتهم على الإفرنج.
وتغريبة بني هلال، أو الحلقة الثالثة من حلقات هذه السيرة، تعنى بأعمال الهلاليين في الغرب خاصة في شمال إفريقيا. وهذه الفترة من فترات التاريخ الإسلامي صحيحة لا شك فيها، كما أن بني هلال عرفتهم الجاهلية وعاشوا في الإسلام وقاموا وحلفاؤهم بنصيب وافر في سبيل العمل على تعريب تلك البلاد جنسا وثقافة، فابن الأثير يحدثنا في كامله بأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
تزوج في العام الرابع من زينب بنت خزيمة أم المساكين وهي من بني هلال، ثم يذكرهم مرة عند الحديث عن غزوة هوازن ومرات كثيرة أخرى في مناسبات مختلفة، أما خروجهم إلى إفريقيا، فقد ذكره أكثر من واحد من المؤرخين، أذكر منهم هنا ابن خلدون، فقد جاء في ص62-63 من الجزء الرابع من تاريخه ما نصه:
كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبيديين بإفريقيا وخطب للقائم العباسي وقطع الخطبة للمستنصر العلوي سنة أربعين وأربعمائة، فكتب إليه المستنصر يتهدده، ثم إنه استوزر الحسين بن علي التازوري بعد.
إلى أن يحل الجدب بنجد والحجاز، ولا تجد هذه القبائل البدوية الرعوية مقرا لها سوى الهجرة والترحال بحثا عن الزرع والضرع. فيستقر الرأي على ضرورة استكشاف المسالك إلى البلدان المتاخمة للجزيرة العربية، وهكذا اندفع فارس التحالف الهلالي أبو زيد الهلالي ، مصطحبا الأمراء الثلاثة أبناء السلطان حسن بن سرحان، مرعي ويونس ويحيى إلى تونس؛ ليقعوا في أسر حاكمها الزناتي خليفة، فيأمر بسجنهم بينما يطلق سراح أبي زيد ليعود إلى نجد، وبدلا من إحضار فدية الأمراء الأسرى، فإنه يجهز الجيش لغزو تونس.
وهكذا يسير أبو زيد على رأس قومه بني زحلان، والسلطان حسن مع بني دريد، ودياب بن غانم على رأس قومه بني زغبة، ويؤتى بالجازية من مكة لتكون في الطليعة، ثم نقرأ قصصا كثيرة حول هذه الجيوش والتقائها بالخفاجي عامر، والملك الغضبان، والخزاعي، وشبيب التبعي والبردويل بن راشد، وأشهرها هي قصة بني هلال مع «الماضي» حاكم صعيد مصر، وما كادت تتحرك هذه الجيوش لملاقاة الزناتي خليفة حتى زودها أبو زيد بخططه الحربية الخطيرة، فهو يضلل جواسيس العدو مرة، ويستولي على عيون المياه مرة أخرى، ويأتي بحيل لا تقل طرافة عن حيل قواد الحرب المعاصرين، وقد أطلق مرة المنادي ينادي العرب: «كل من كان عنده ناقة والدة يبعد ابنها عنها أو فرس والدة يبعد ابنها عنها، وكل من كان عنده حصان طلوق يجيبه عند فرس شايع ويلحقونا على عين الخطيري، وتخلي العرب كلهم يدقوا طبولهم في نزولهم على العين، (فسمع الزناتي حنين المهاري، وصهيل الخيل، وحس الطبول)، فينكسر قلبه قبل ما يجي لنا الحرب.» كما أنه كثيرا ما استخدم النساء للتسرب إلى داخل البلاد والقيام بأعمال السلب والنهب لإيقاع الذعر بين الأهلين والتمهيد لدخول الجيوش، وكان تنفيذ هذه المهمة يوكل عادة للجازية التي كانت تقوم بها خير قيام. فاسمعها مثلا تتحايل على منصور أحد بوابي تونس وتمنيه وتغريه بمختلف المغريات:
افتح لا تخالف
إنك رجل عارف
وانظر د الوصايف
Bilinmeyen sayfa