قال الراوي: فحينئذ أمر أمير المؤمنين للعساكر بما يحتاج إليه من الزاد ففرق أموالا جليلة من الدراهم والطعام حتى أخذ كل ما يكفيه مدة من الأيام وأمر بجمال البلاد فجمعت من أقاصي البلدان فوفى أهلها كراها وفرق الجمال بين الناس لما يحتاجون إليه من الزاد والماء ولما اجتمع من خلق الله سبحانه ما صعب ضبطه، فلما علم أمير المؤمنين أن مياه المناهل لا تكفي العساكر زمرا فنهض أول العسكر يوم السبت تاسع عشر من شهر الله المحرم سنة خمسين وستمائة وهم عسكر الشام ومن انضم إليهم، ونهض الإمام عليه السلام ثاني ذلك اليوم فحط في القاع وحط نهار الثلاثاء في القريب وأقبلت إليه قبائل المشرق وجنب ونهد، وغيرها فأكرم عليه السلام من وفد عليه وأنعم على من وصل إليه، ووصل إليه رسول السلطان بدر بن محمد من بيحان يحكي بقاه على الحلف وأقام عليه السلام إلى يوم الخميس[83ب-أ] وأمر الأمير حسام الدين [.....بياض في المخطوط.......]، والحسن ابني علي بن يحيى بن الأشل والشيخ عضد الدين محمد بن يحيى بالقدوم بعساكر الجوف والشام ومن ينضاف إليها فنهضوا في عسكر عظيم من الخيل والرجل ونهض أمير المؤمنين عقيبهم لأن المناهل لم تحمل العسكر مجتمعين وكان من فضائله عليه السلام ما علم به الخاص والعام وشهد به العدو والصديق من الأنام وذلك أن أقواما من جنب وغيرهم كانوا حلولا في شق العواهل قريبا من الطريق إلى مارب فأتى إليهم بعض رعاتهم وأخبرهم أنه وصل إلى موضع في الفضاء فرأى شقا في الأرض بعيد القعر فرمى فيه بحجر فوقعت في ماء فسمع صليل الحجر في الماء فاستبعد القوم ذلك فقال لهم رجل من جنب يقال له: علي بن محرر: يا قوم انهضوا لندري ما يقول هذا صحيح أم لا فنهض القوم إلى الموضع الذي ذكره فوجده شقا في الأرض لم يحفر قبل ولا عرف فيه ماء ولا أخبر به أحد فرأوا فيه ما يجري في الأرض فبجروه من حينهم ونحروا عليه ناقة وسموه غيل المهدي وكان خروج هذا الماء قبل وصول أمير المؤمنين الجوف بيومين أو نحو ذلك وقد كان الناس مشفقين من شدة السمائم وانقطاع المناهل وكثرة العساكر والبهائم.
قال الراوي : فضرب العسكر جميعه وجميع البهائم من ذلك الماء وسار الإمام إليه بنفسه ودعا فيه بالبركة وبلغ أمير المؤمنين أن أهل مارب على أمر هرب بأموالهم وأهلهم وأنهم لاحقون بجبال الدقرار من أرض مراد فأمر أمير المؤمنين عليه السلام الأمير محمد بن فليتة والشيخ عضد الدين أن يعدوا بمن معهما ليلحقوا القوم ولما حط أمير المؤمنين بالأمراء بلغه أن القوم هربوا على رؤوسهم وانتهبت أموالهم مذحج وجنب ولحق أول العسكر شيئا من ذلك ونهض أمير المؤمنين عليه السلام فحط في موضع يسمى المساجد بحيث يرى مأربا من هنالك ونهض ثاني ذلك اليوم وأمر الناس بالأهبة والعراضة الجيدة فاجتمع من الخيل ما أعجب الناظر وكانت الخيل تنيف على ألف فارس وحط الإمام عليه السلام ما بين الدربين ووجدت العساكر من أثاث الناس وخباياهم شيء كثيرا.
قال الراوي: وقد كان أهل مأرب وصل رسولهم إلى أمير المؤمنين وهو في محطة الغريب يخاطبون بمائتي ألف ولم يكن عندهم أنه يصل مأرب وقد كان مناهم من ذكرنا في أول الكلام من الأشراف وغيرهم أنه لا يصل مأرب ولا يستطيع ذلك: {فأيد الله الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}(1)، ولما وصل أمير المؤمنين ووصل إليه قبائل المشرق من خولان وبيحان واجتمع في مأرب من خلق الله تعالى ما لم يحقق لي أحد ضبطهم.
Sayfa 265