وأما ما ذكروه من وقوع الشك عند المؤمن في أشياء وأن الغرض المراجعة فيها بعد الفراغ من الحكومة فهذا كلام في نهاية الخلل؛ لأن الشك إن اعترض به على اليقين وهو ما دلت عليه البصائر وثبوت الإمامة وسلامة أحوال صاحبها في الظاهر فلا إشكال أنه لا حكم له؛ لأن الشك لا يعترض به على اليقين بل لا يعترض به على الظن؛ لأنه ريب، وقد ورد الشرع بتركه قال النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) (1)، فالمعترض بالشك على اليقين مخالف لظاهر هذا الخبر، وإن أرادوا بالشك ما يعترض في الخواطر مما يتجلى بالمراجعة فهذا داخل تحت قوله تعالى: {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}(2) فكيف يتوجه علينا الملاحقة في الريب عند غيرنا والسؤال عليه والفائدة من قبلنا؛ إذ هذا من باب الإفادات والمراجعات لا من باب المحكمات، على أنا نقول: كيف يسوغ لمؤمن أن يتخلف عنا في الشدائد ويخلو بنفسه ويحكم على اليقين قوادح الريب ويعترض أصول الواجبات بعوارض التوهمات، وها نحن قد دعوناكم إلى نزال وعرضنا أنفسنا في مواطن الجدال، وقد أنصف القارة من رامها وقد ألزمنا من كان في نفسه شك قد جعله ذريعة في إبطال فرض الجهاد الذي هو سنام الدين أن يصل إلينا لإزالة الشك والقيام بالفرض لأنه لا بتخلفه [66ب-أ] وإظهاره بذلك قد أخل بالفرض المتوجه عليه وليس على غيره مما يتصوره به ويدعوه إليه فيحمل وزره ووزر غيره كما قال الله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامه ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}(3)، ونحن نريد الدعاء تأكيدا والإلزام بجد بدى في وصولهم إلينا للمحاكمة فيما طلبوه وكذلك وصول من اعترض في نفسه ريب في شيء مما ذكروه ومن الله سبحانه نستمد الإعانة وإياه نسأل التوفيق وهو المحمود على نعمه وجزيل قسمه فإنه الناصر حيث تخلف المتخلفون، وخذل الخاذل، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نقول كما قال تعالى في كتابه المبين: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}(1) ولم يتأخر الجواب أياما بعد وصوله إلا لما نحن عليه من كثرة الأشغال ومكافحة فرق الضلال عن دين ذي العزة والجلال، في مقامات لم تعبر فيها الأقوال عن الأفعال والحمد لله الكبير المتعال، وصلواته على محمد وآله خير آل، والحمد لله رب العالمين.
رجع الحديث
ولم يلبث أمير المؤمنين أن قدم الأمير الكبير العالم شرف الدين الحسن بن وهاس في جماعة من الأمراء إخوته وأقاربه من شيوخ العرب أحمد بن الرياحي بن راشد بن مظفر السنحاني في عشرين فارسا إلى موضع يسمى ضبوة على فرسخ من صنعاء أو يزيد قليلا إلى ناحية المشرق من بلاد سنحان وقد كان صور لأمير المؤمنين من طريق من لا خبرة له ولا نصيحة أن الموضع مرصد للمحاربين بصنعاء وأنه يقطع مادتهم فكان الأمر بخلاف ذلك، ومما قيل من الأشعار بعد خروج أمير المؤمنين من صنعاء قول الشيخ الأجل اللسان قاسم بن هتيمل التهامي شعرا:
شمس من العالم العلوي قد صفرت
بانت تروعني بالبين هازية
فهل عذير فيسعدني علانية
يحن قلبي لقلبي في تقلبه
عطفا بروحي يا روحي على جسدي
حرمت وصلك واستحللت سفك دمي
انطوالي ابن أمير المؤمنين أمير
لأشكرن من المهدي عارفة
فكم لأحمد عندي من يد ملكت
حرف إذا وصفت بالألف خنصره
وجه يعوذ في سر وفي علن
لا تعذل الناس إن رأيت محبته
هين ولين فإن تلق الكماة به
قلب إذا نازل الأقران تحسبه
تهمي أنامله تبرا ويمطرها
إن قالت الزور أو ماتت مشبهه
الوافر القسم من مجد ومن شرف
يا ابن الحسين ويا سبط الرسول ويا
لم تخل صنعاء إلا وهي فج ردى
ليست كأم القرى في الفضل ثم طرا
وفي العروسين حلوا ثم أخرجهم
إن يستعض منك مغرور بطاعته
فليس غير حنين ماض راجله
عزما فإن هانت الدنيا عليك وما
برد العفاف وبرد المدح طب بهما
أكرمتني طول أيامي وما علمت
فالبس وإن لم يكن كفو البرك لي مما تجلت بفكر العقل لؤلؤها ... من شعرها ألفي وصل ولا مين
Sayfa 214