قصّر. ومنهم من إذا كتب أحسن، وإذا حاور وأملى أساء. ومنهم من يحسن فى جميع هذه الحالات. ومنهم من يسىء فيها كلّها.
فأحسن حالات المسىء الإمساك، وأحسن حالات المحسن التوسّط؛ فإنّ الإكثار يورث الإملال، وقلّما ينجو صاحبه من الزّلل والعيب والخطل «١» .
وليس ينبغى للمحسن فى أحد هذه الفنون المسىء فى غيرها أن يتجاوز ما هو محسن فيه إلى ما هو مسىء فيه؛ فإن اضطر فى بعض الأحوال إلى تجاوزه فخير سبله فيه قصد الاختصار، وتجنّب الإكثار والإهذار؛ ليقلّ السقط فى كلامه، ولا يكثر العيب فى منطقه.
وقيل لابن المقفّع: لم لا تطيل القصائد؟ قال: لو أطلنها عرف صاحبها.
يريد أن المحدث يتشبّه بالقديم فى القليل من الكلام، فإذا أطال اختلّ، فعرف أنه كلام مولّد. على أن السابق فى ميادين البلاغة إذا أكثر سقط، فكيف المقصّر عن غايتها، والمتخلّف عن أمدها؟
ومن تمام آلات البلاغة التوسّع فى معرفة العربية، ووجوه الاستعمال لها؛ والعلم بفاخر الألفاظ وساقطها، ومتخيّرها، ورديئها؛ ومعرفة المقامات، وما يصلح فى كل واحد منها من الكلام، إلى غير ذلك مما سنذكره فى الباب الثانى عند ذكر صنعة الكلام إن شاء الله.
وقوله «٢»: وهو «أن يكون الخطيب رابط الجأش» ساكن النفس جدا؛ لأنّ الحيرة والدّهش «٣» يورثان الحبسة والحصر «٤»؛ وهما سبب الإرتاج والإجبال «٥» .
1 / 21