وقد جرى العمل على أن يودع نصف حق سعيد في بنوك متفرقة في دول العالم، ويرجع إليه بالنصف الآخر.
وطبعا كان الخروج من مصر والدخول إليها بالنسبة لمراد أمرا ميسرا كل التيسير، مع استحالته لسائر الناس الذين لا يتمتعون بما يتمتع به هو من صلات عليا مع سعيد. •••
حين تزوج مراد من محبوبة أصبح بالنسبة لسعيد موضع ثقة كاملة، يستطيع أن يبيح له ما لم يكن يبيحه حين كانت الصلة أقل شأنا مما صارت إليه. - اسمع يا زوج أختي. - قل ما شئت. - كل الذي بعته من مجوهرات لا يساوي شيئا بالنسبة لما أخفيه عندي ولم أبعه بعد. - كنت واثقا من ذلك. - لماذا؟ - ليس فيما أبيعه شيء خارق للمألوف، مجوهرات نفيسة نعم. ولكن بالنسبة للأسرات الكبيرة وأسرة محمد علي، شيء أقل من المستوى إلى حد ما. - كنت تعلم أن الأسر الأخرى أيضا أصبحت تحت إشرافي. - وهل تعجب أن أعرف شيئا كهذا؟ - لنتكلم في المهم. - أنا تحت أمرك. - ستخرج في كل مرة بقطعتين أو ثلاث على الأكثر. - ليكن. - لاحظ أنني لا أحصل على هذه الأشياء وحدي. وإنما يشترك في قبض أثمانها أشخاص كثيرون. - أعلم هذا. - وهذا أيضا تعلمه. - شيء بدهي. فما كانوا ليبقوا عليك طوال هذه الفترة إن كانوا لا ينالون منك أكثر مما يتوقعون. - لا يخشى عليك. - أنا أخشى عليك أنت.
وجزع سعيد وامتقع لونه. - لماذا؟ لماذا؟ - هؤلاء قوم لا صديق لهم. - هذا صحيح، ولكن العمل الذي أقوم به يصعب أن يجدوا من يحل فيه غيري. - ولهذا لا تتسرع في بيع المجوهرات، ولا في توزيع النفائس من المفروشات والسجاجيد واللوحات العالمية، بل اجعل توزيعك بمقدار.
وصمت سعيد لحظات طوالا ثم قال: لعلك على حق. - المهم نتكلم في السفر. - بعد ثلاثة أيام ستسافر. - إلى أين في هذه المرة؟ - إلى باريس ومعك ثلاث قطع. - طبعا لن أعرضها على صائغ واحد. - طبعا، تعرض كل قطعة منفردة، بل ينبغي ألا يعلم من يشتري منك قطعة أن معك غيرها. - مفهوم.
استطاع مراد أن يبيع قطعتين لصائغين مختلفين، وأبقى القطعة الكبرى، وهي وشاح ضخم من الماس الخالص والذهب الأصفر والأبيض جميعا، وقد ذهب به مراد إلى أشهر متجر ماس في العالم، وقدمه إلى الموظف، فإذا بالموظف يرفع سماعة التليفون، ويطلب صاحب المتجر وفي لحظات يأتي وينظر إلى الوشاح، ويقلبه بين يديه بعناية شديدة، ثم يقول لمراد بالإنجليزية: هل يمكن أن تتركه لنا وتأتي غدا لنتفاوض في الثمن؟ - كيف؟ - سأعطيك إيصالا به حتى تبيت ليلتك مطمئنا، ولو أن متجرنا لا يحتاج لمثل هذا الإجراء. - أمرك.
وكتب له صاحب المتجر الإيصال، وانقلب مراد إلى فندقه متصورا أن الوشاح من العظمة بحيث يحتاج الأمر إلى لجنة لتقرير قيمته الحقيقية.
وفي الصباح قال له صاحب المتجر: هذا الوشاح نحن الذين صنعناه خصيصا لشاه إيران ليهديه إلى عروسه في ذلك الحين الأميرة فوزية، وهو وشاح شهير في عالم الماس.
وقدم إلى مراد كتابا به القطع النادرة التي صنعها المتجر وفتح في الكتاب صفحة معينة وأشار إلى صورة بها وهو يقول: أليس هذا هو الوشاح الذي تعرضه علينا؟
وكان مراد يتوقع أي شيء إلا هذا الذي هو فيه، وتولاه الجزع والعجب، وارتعدت منه الفرائص، بل إن نأمات وجهه أصابتها الرعشة الواضحة ولم يجد شيئا يقول إلا: أنت تعلم أن الحكومة المصرية استولت على أموال أسرة محمد علي.
Bilinmeyen sayfa