كان نديم قد حصل على شهادة الليسانس، ورغب عن الوظيفة الحكومية التي كانت يسيرة بالنسبة له غاية اليسر، فعمل محاميا في مكتب واحد من كبار المحامين هو منير فراج، وكان من زملائه في المكتب عبد الوهاب فتحي وأمجد شرف الدين، وكان كلاهما يعمل في حركة المقاومة بكل جد وجهد. وكانا على صلة بالضباط الذين كانوا يطلقون على أنفسهم الضباط الأحرار، وكان أقرب هؤلاء الضباط إليهما سعيد سلطان وكان برتبة يوزباشي.
وقد انضم نديم بحماسة شديدة إلى زميله وتعرف باليوزباشي سعيد، الذي فرح به كابن واحد من الوزراء في الحزب الحاكم.
وكان المحامون الثلاثة بحكم صلتهم بالموكلين في المكتب يستطيعون أن يتعرفوا مواطن السلاح، وأخبرهم نديم أنه أيضا يعرف كيف يخفي هذا السلاح.
وفي يوم من الأيام التي تمر شأنها شأن سائر الأيام وجد مراد نفسه يستقبل نديم في بيته الخاص، وتعانق الصديقان في شرفة البيت، والدنيا لا تكاد تسع مراد من الفرح، وبادر نديم سائلا: أين سيارتك؟ - أحببت أن أجيء بالقطار. - لماذا؟ - ستعرف. - وهو كذلك. - أولا أريد أن أرى دياب الصغير. - والكبير أيضا وحياتك. - طبعا ولكن أريد أن نكون وحدنا قبل أن نذهب إلى حضرة النائب. - أمرك.
وحين خلا بهما المكان قال نديم وهو يحتسي القهوة: أنا أعمل في المقاومة.
وقفز مراد عن كرسيه قائلا: يا نهار أسود من الحبر الكوبيا.
وقال له نديم في هدوء ورباطة جأش: اقعد، اقعد، إذا كان هذا رد فعلك لأنني قلت لك إنني أعمل بالمقاومة، فماذا أنت صانع إذا أكملت ما جئت لك بشأنه؟
وقال مراد وهو يجلس شبه تائه: من أجل هذا جئت؟ - هذا خبر لا يحتاج إلى مجيء، لقد جئت لأنك ستعمل معي.
وهب مراد واقفا: أنا؟ وماذا أفعل في المقاومة؟ أخاف من خيالي. - اقعد يا أخي، وهل ستذهب إلى الثكنات الإنجليزية؟
والتقط مراد بعض أنفاسه وسأل وهو يلهث: إذن ماذا سأفعل؟ - اقعد. - قعدت. - الأسبوع القادم سآتي إليك ومعي واحد من الضباط الأحرار. - هل سمعت عنهم؟ - لا. - إنهم جماعة تكونت في حرب فلسطين، ويريدون أن يغيروا الأمور في مصر، وهم الآن مشغولون بمعاونة المقاومة والعمل مع الفدائيين، منهم من يذهب إلى الثكنات متخفيا، ومنهم من يعد لهم السلاح ويرسله إلى العاملين بالميدان. - وصاحبك هذا من أي الفريقين؟ - يعمل على الناحيتين. - وأنا ماذا سيكون عملي؟ - سنخفي عندك السلاح.
Bilinmeyen sayfa