- وهو مسير ليلة ويوم -، فأمن الله به السبل، وقمع به الظلمة، ونصره بولده الإمام الناصر عليه السلام، واستفتح رداع، وضمير نزار، وبلاد باطنية مذحج، وبلاد المغارب إلى حد عتمة وأبراز وانتشر فضله وعم نائله، وله كرامات مشهورة، وأوراد مسطورة، منها: (أنه) (1) كان يقري في مسجد موسى بقطيع صنعاء وحلقة قراءته نيف وعشرون قارئا، فجاءه القاضي الشامي من هجرة المعذر ويده عضباء قد يبست، فقال: يا مولانا، هذه يميني كما ترى، فأمسكها الإمام(عليه السلام) (2) ونفث فيها، وتلا عليها، فامتدت أصابعه وكوعه حتى بدت لحمة بيضاء في راحته قد (غلبت) (3) على الأصابع، فكبر من حضر واستعظم ما إليه نظر. ومنها: ما روى لي إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى(4) قال: مسح على مقعد أعرفه يسير على عود في يده فشفي من حينه وساعته، وفضائله مسطورة في سيرته، وكان أوراده المباركة منها: إحياء الليل، وصيام أكثر الدهر، وحسن الخلق التى وسعت، وتحننه على المسلمين، وكان إذا عرف أن نفقته طحنت على مطحن الصدقة لم يأكل منها شيئا، قال لي عليه السلام: تقف معنا في ذمار هذا الشهر الكريم رمضان، ولا تفطر إلا معي، فقلت: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين، فكنت أصلي معه المغرب، فيحيي ما بين العشاءين بالصلاة والبكاء والخضوع والخشوع ما يزعج السامع، فإذا كان بعد تمام صلاة العشاء وتمام أوراده المباركة استقبل إخوانه بوجه لم أر مثله كأنه القمر ليلة البدر، نوره قد علا، ولحيته تملأ صدره كأنها قطنة مجلوحة فيحضر الطعام فيمد يده للدعاء وهو يرتعش كالسنبلة، فتارة يدعو وتارة يصيبه ثمول فيسكت ساعة، وتارة تقع دموعه على الأرض، وتارة يرتعش حتى يكاد يستقيم، فإذا قرب الطعام أدارني في إخوانه العلماء الفضلاء، وأقعدني على طرف سجادته، ومد (بيدي)(5) إلى سكرجة فيها عشاه، أكثر الأحيان آتي على أخيره، ويقول: (يا ولدي، هذا من نفقتي) (1) هي أطيب لك، ربما في طعام أصحابنا شيء من الصدقة، بنفسي هو من شفيق ورفيق، ما أشبه أخلاقه بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تبارك وتعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}[القلم:4]، جاء إليه رؤساء بعدان-وأنا حاضر- فاستعلمهم عليه السلام، فقالوا: لما ظهر ولد مولانا إلى ناحية السحول أمر الملك الأفضل من (يسخر)(2) الجعلا فحملوا الحجارة للأوضاف من سائلة فلان إلى داير ثعبان، فالتفت إلينا بوجه مشرق (منير) (3)، فقال: هل هذا عند الله قليل ؟ هل هذا عند الله قليل ؟ سلطان اليمن مريب منا (و) (4)الحمد لله، ثم تلا هذه الآية:{ ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح}[التوبة:120]جاء إليه رجل من المسرفين، فقال له: يا مولانا، ضع يدك على صدري، وأطعمني شيئا من عيشك، يكون فيه شيء من ريقك لعل الله يتوب علي، فوضع يده الكريمة على صدره وأطعمه بلسة نفث فيها، وأنا أعرف ذلك الرجل وإسرافه وأعرفه بعد ذلك تاب وأناب وزهد وعف عن الدنيا حتى هو اليوم يعد من الفضلاء والزهاد، ومن جملة الأوتاد، أعاد الله من بركاتهم، ولو حكيت ما رأيت (فيه)(5) لجاء كتاب.
Sayfa 160