الأمير رُكْن الدين الدوَيْدار (^١) والأمير أبي بكر ابن الخليفة (^٢) فتقدّما إلى الجند بنهب الكرخ، فهجموه ونهبوا وقتلو، وارتكبوا من الشّيعة العظائم، فحنق الوزير ونوى الشّرّ، وأمر أهل الكَرْخ بالصبْر والكفّ، وكان المستنصر باللَّه قد استكثر من الْجُنْد حتى بلغ عدد عساكره مائة ألف فيما بَلَغَنَا، وكان مع ذلك يصانع التّتار ويُهاديهم ويُرضيهم. فلمّا استخلف المستعصم كان خليّا من الرّأي والتّدبير، فأشير عليه بقطع أكثر الْجُنْد، وأنّ مصانعة التّتار وإكرامهم يحصل بها المقصود، ففعل ذلك، وأمّا ابن العلْقمي فكاتَبَ التّتار وأطمعهم فِي البلاد، وأرسل إليهم غلامه وأخاه، وسهّل عليهم فتْحَ العراق، وطلب أن يكون نائبَهم، فوعدوه بذلك وتأهّبوا لقصد بغداد (^٣). ولكن لم يتم لابن العلقمي الرافضي ما أراد، فلم يَسْلَمْ من القتلِ أهلُ ملتهِ من الرافضة، بل نالتهم السيوف، ولحقت بهم الحتوف.
قال ابن الوردي: "أراد ابن العلقمي نُصْرَة الشيعة فنُصر عَلَيْهِم، وحاول الدّفع عنهُم فدُفع إليهم، وسعى وَلَكِن في فسادهم، وعاضد وَلَكِن على سبي حريمهم وَأَوْلَادهم، وَجَاء بجيوش سلبت عَنهُ النِّعْمَة، ونكبت الإِمَامَ والأمَّة، وسفكت دِمَاء الشِّيعَة وَالسّنة، وخلدت عَلَيْهِ الْعَار واللعنة:
وأتى الخائنُ الْخَبيث بمُغْلٍ … طبقَ الأَرْضَ بَغْيُهُمْ تَطبيقَا
هَكَذَا يَنصُرُ الجَهولُ أَخَاهُ … وَمِنَ البرِّ مَا يكون عُقُوقَا (^٤)
بعد ذلك توجه التتار لغزو الشام، فأرسل هولاكوا عدة رسائل إلى سلاطين المماليك بالشام يطلب منهم الاستسلام ويتهددهم ويتوعدهم (^٥).
وبدأ تحركهم نحو الشام "ففي جمادى الأولى من سنة سبع وخمسين وستمائة نزل حرّان (^٦) واستولى عليها وملك بلاد الجزيرة (^٧)، ثمّ سيّر ولده أشموط بن هولاكو إلى الشام وأمره بقطع الفرات وأخذ البلاد الشاميّة،
_________
(^١) الملك، مقدم جيش العراق، مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير أحد الأبطال المذكورين والشجعان الموصوفين الذي كان يقول: لو مكنني أمير المؤمنين المستعصم، لقهرت التتار، ولشغلت هولاكو بنفسه. انظر: السير للذهبي (٢٣/ ٣٧١).
(^٢) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٣٦١).
(^٣) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (١٤/ ٦٧٠).
(^٤) انظر: تاريخ ابن الوردي (٢/ ١٩٠).
(^٥) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (١٤/ ٦٧٠ - ٦٧٧).
(^٦) مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهي على طريق الموصل والشام والروم. انظر: معجم البلدان لياقوت (٢/ ٢٣٥).
(^٧) بلاد يحيط بها من جهاتها الأربع نهر دجلة والفرات. انظر: حدود العالم من المشرق إلى المغرب (١/ ١٦٢).
1 / 19