لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها، ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بخت نصر (^١) ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس؟ وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا؟ فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج" (^٢).
وفي عام ٦٥٦ هـ احتلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وقتلوا خليفة المسلمين المستعصم باللَّه العباسي (^٣)، واستباحوا بغداد قتلًا وسلبًا ونهبًا.
قال الحافظ ابن كثير في أحداث تلك السنة: "فيها أخذت التتار بغداد وقتلوا أكثر أهلها حتى الخليفة وانقضت دولة بني العباس منها" (^٤).
وقال الذهبي: "ثم دخلت حينئذ التتار بغداد وبذلوا السيف واستمر القتل والسبي نيفًا وثلاثين يومًا، فقَلَّ من نجا، فيقال: إن هولاكو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر فعند ذلك نودي بالأمان، واشتد الوباء بالشام ولاسيما بدمشق وحلب لفساد الهواء" (^٥).
وقُتل كثيرٌ من المسلمين، من العلماء والوزراء والعامة، حتى النساء والأطفال لم يسلموا من القتل.
قال ابن كثير: "ومالوا على البلد، فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقني الوسخ، وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون، وكان الفئام من الناس يجتمعون في الخانات، ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر أو بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي المكان، فيقتلونهم في الأسطحة، حتى تجري الميازيب من
_________
(^١) اسمه نبوخذ نصَّر بن سنحاريب بن كيحسري، من الفرس الأُوَل قبل النبط وقبل بني ساسان وكان يقال للفرس الأول الأشكنان وللنبط الاردوان. انظر: المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي (ص ٣٩٤).
(^٢) انظر: الكامل لابن الأثير (١٠/ ٣٣٣).
(^٣) آخر خلفاء بني العباس ببغداد، وكانت مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيامًا، وتقدير عمره سبعًا وأربعين سنة، وكان متدينًا متمسكًا بمذهب أهل السنة والجماعة، على ما كان عليه والده وجده رحمهم اللَّه تعالى، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقظ والهمة، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقظ نازل الهمة، محبًا للمال مهملًا للأمور يتكل فيها على غيره. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (٢/ ٢٣١).
(^٤) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٣٥٦).
(^٥) انظر: العبر في خبر من غبر للذهبي (٣/ ٢٧٨).
1 / 17