وَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ هَذ الْأَسْبَابِ، رُبَّمَا [رَأَى] (١) تَرْكَ التَّصْنِيفِ أَوْلَى -إِنْ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهَا- لِمَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَحَاذِيرِ وَغَيْرِهَا غَالِبًا.
فَإِنْ قِيلَ: "يَرِدُ [عَلَى] (٢) هَذَا فِعْلُ الْقُدَمَاءِ وَإِلَى الآنَ مِنْ غَيْرِ نكِيرٍ، وَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَى الْأُمَّةِ تَرْكُ الإِنْكَارِ إِذًا؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالى-: ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (٣)، وَنَحْوِهَا (٤) مِنْ [نُصُوصِ] (٥) الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ".
قُلْنَا: "الْأَوَّلُونَ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِمَّا عِبْنَاهُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَأْلِيفٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذ الصِّفَةِ، وَفِعْلُهُمْ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ حُجَّةً، بَلْ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِبَعْضِ الْعَوَامِّ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى أَنَّ الْعَامِّيَ مَلْزُومٌ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إِمَامٍ مُعَيَّنٍ".
فَإِنْ قِيلَ: "إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَحْفَظُوا الشَّرِيعَةَ مِنَ الإِغْفَالِ وَالْإِهْمَالِ".
قُلْنَا: "قَدْ (٦) كَانَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فِي حِفْظِهَا، أَنْ يُدَوِّنُوا (٧) الْوَقائِعَ وَالألْفَاظَ (٨) النَّبَوِيَّةَ، وَفَتاوَى الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى جِهَاتِهَا وَصِفَاتِهَا، مَعَ ذِكْرِ أَسْبَابِهَا -كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقا- حَتَّى يَسْهُلَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مَعْرِفَةُ مُرَادِ كُلِّ إِنْسَانٍ بِحَسْبِهِ، فَيقلِّدَهُ عَلَى بَيَانٍ وَإِيضَاحٍ.
(١) من (ب) و(غ).
(٢) من (أ).
(٣) آل عمران: ١٠٤.
(٤) من (أ) و(ص)، وفي (ب) و(ظ): ونحوه.
(٥) من (ب).
(٦) من (أ) و(ص) و(غ) و(ظ)، وفي (ب): وقد.
(٧) من (أ) و(ب)، وفي (غ): يذكروا.
(٨) في (ب): ألفاظ.