صلى الله عليه وسلم
ولم يكن القرآن جمع في شيء» قد قال: «كنا عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم
نؤلف القرآن من الرقاع.» يريد بذلك تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة رسول الله، وكثيرا ما كان رسول الله يتلو في الصلاة وفي غير الصلاة سورا كاملة؛ منها البقرة وآل عمران والنساء والأعراف والجن والنجم والرحمن والقمر وغيرها، وهذا كله صريح في الدلالة على أن ترتيب الآيات في السور قد تم بتوقيف النبي، وأنه قبض وهذا الجمع معروف للمسلمين، ثابت في صدور القراء والحفاظ.
ولقد رأيت كثيرين من الصحابة جمعوا القرآن على عهد النبي، منهم أربعة جمعوه بإملائه، واتفاق المؤرخين منعقد على أن ترتيب الآيات في السور كان واحدا في كل المصاحف التي جمعت قبل وفاة الرسول، وفي المصاحف التي جمعت عقب وفاته وقبل أن يأمر أبو بكر بجمع القرآن، أما ترتيب السور والابتداء بالفاتحة فالبقرة فآل عمران فالنساء فالمائدة والانتهاء بالمعوذتين، فذلك ما اختلف فيه، وما قيل إن رسول الله تركه كله أو بعضه لأمته.
ماذا أراد أبو بكر إذن بقوله ردا على عمر حين أشار عليه أن يجمع القرآن: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله!» وما هي الحجج التي شرحت صدر أبي بكر ثم صدر زيد بن ثابت لجمع القرآن والأخذ برأي ابن الخطاب؟
لما تمت البيعة لأبي بكر لزم علي بن أبي طالب بيته، وتحدث الناس إلى أبي بكر في أمره، فأرسل إليه يقول: «أكرهت بيعتي فقعدت عني؟!» فكان جواب علي: «لا والله، ولكن رأيت كتاب الله يزاد فيه، فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه.»
4
ولم يكن علي وحده هو الذي دأب على جمع القرآن بعد وفاة الرسول، بل دأب على ذلك كثيرون جعلوا يتلقونه عمن يطمئنون إليهم من أصحاب رسول الله، وكما حمد أبو بكر لعلي بن أبي طالب حديثه عن جمع القرآن حمد لغيره من المسلمين سعيهم في جمعه ، ورأى في عملهم تأسيا بالسابقين الأولين الذين جمعوه في عهد رسول الله، ولم يدر بخاطره أن يصد أحدا دون هذا العمل الجليل، مطمئنا إلى أن الله نزل الذكر وهو حافظه، وإلى أن المسلمين لن تحدث أحدا منهم نفسه بأن يدخل عليه ما ليس منه، فإذا أقدم أحد على ما قاله علي بن أبي طالب من زيادة على القرآن رد الله كيده في نحره، ورد الصالحون من المسلمين كلام الله إلى مواضعه، وذلك كان سبب تردده حين عرض عليه عمر أن يجمع القرآن، فقد كانت سنته ألا يصنع إلا ما كان يصنع رسول الله، وألا يدع شيئا كان رسول الله يصنعه، أما وقد ترك رسول الله كتابة القرآن للمسلمين، وقد كتب بعضهم القرآن بإملائه (عليه السلام)، ونقل آخرون عن هؤلاء الكاتبين وعمن وعت ذاكرتهم القرآن، فليجر الأمر في خلافته كما جرى في عهد الرسول، وليمسك خليفته فلا يقدم على ما لم يقم هو به.
كانت هذه حجة أبي بكر وحجة زيد بن ثابت، فلما راجع عمر الخليفة عدل عن رأيه، ولئن لم يورد المؤرخون تفصيل ما دار بين الرجلين من حوار، فإن فيما أورده الرواة عن تاريخ القرآن لما يفصح لنا عن حجة عمر وما يؤيدها ويجلو لنا اقتناع أبي بكر وزيد بن ثابت بها.
Bilinmeyen sayfa