قالت: إذن؛ فهو يوم تفرح فيه، فما لي أراك قد بترت حبل الحديث وأخذك الوجوم؟
قلت: لا، ليس ما بي من وجوم، إنما هي خلقة طبعها الله على وجهي، فأبدو واجما ولست بواجم.
قالت: لكنك شطحت بفكرك في السحاب.
قلت: بل سرحت به دبيبا على هذه الأرض، كررت به راجعا عشرين عاما، إلى العام الذي أتممت فيه دراستي العالية، واستعرضت في مثل اللمح بالبصر كل ما كان، وكنت قد بدأت أحاسب نفسي.
قالت: أعد لي ما دار في رأسك، لأبدأ معك حسابك لنفسك.
قلت: كان البحر مضطربا، وكانت السماء مكفهرة دكناء، حين خرجت بشبكتي أقصد الصيد، وكان معي فريق من الزملاء، حملوا شباكهم على أكتافهم؛ إذ كانوا كذلك إلى الصيد يقصدون.
خرج الصيادون جماعة واحدة، يحملون شباكهم، كل قد حبك الشبكة حبكا يتفق مع وجهة نظره فيما يراه أنفع في الحياة وأجدى، وكل لا يكاد يدري شيئا عن شبكة زميله. فكان الصيادون في جملتهم يعتقدون أن الشباك قد تقاربت نسجا وحبكا. فإن اختلفت عيونها سعة وضيقا، وإن تباينت خيوطها شدة وضعفا؛ فاختلافها في رأيهم يسير على كل حال، لن يؤدي إلى تفاوت كبير فيما يصيدون؛ لذلك لم يكن بينهم يومئذ حسد ولا حقد، ولم تدب في نفوسهم يومئذ شحناء أو بغضاء، حتى لقد ذهب بهم الوهم الجميل إلى الإيمان بأنهم سيظلون أحبابا أصحابا؛ فقد أخرجتهم إلى الصيد قرية واحدة، وأسكنتهم تلك القرية منازل متجاورة متقاربة.
أقلعت الزوارق بجماعة الصيادين من مكان واحد عند الشاطئ ، ثم أخذ الموج المضطرب الهائج يباعد بينها. فهذا زورق يمضي قدما في خط مستقيم، وذلك زورق ينحرف ذات اليسار، وثالث يتجه إلى اليمين، ورابع لم يكد يسبح قليلا حتى ارتطم بالصخر ووقف حيث كان.
وها أنا ذا، يا صديقتي، أصور لنفسي جماعتنا، وقد عادت إلى الشاطئ بعد رحلة الصيد.
قالت: فماذا رأيت؟
Bilinmeyen sayfa