والقوموذيا يراد بها المحاكاة التى هى شديدة الترذيل، وليس بكل ما هو شر، ولكن بالجنس من الشر الذى يستفحش، ويكون المقصود به الاستهزاء والاستخفاف. وكان قوموذيا نوعا من الاستهزاء، والهزل هو حكاية صغار واستعداد سماجة من غير غضب يقترن به، ومن غير ألم بدنى يحل بالمحاكى. وأنت ترى ذلك فى هيئة وجه المسخرة عند ما يغير سحنته ليطنز به من اجتماع ثلاثة أوصاف فيها: القبح الأنه يحتاج إلى تغير عن الهيئة الطبيعية إلى سماجة؛ والنكد لأنه يقصد فيه قصد المجاهرة بما يغم عن اعتقاد قلة مبالاة به وعن إظهار إصرار عليه، ولذلك فى وجه النكد هيئة يحتاج اليها المستهزىٔ. والثالث: الخلو عن الدلالة على غم، لا كما فى الغضب، فان الغضب سحنته مركبة من سحنة موقع متأذ ومغموم جميعا؛ وأما المستهزىء فسحنته سحنة المنبسط والفرح دون المنقبض والمغتم أو المتأذى.
قال: فأما مبدأ الأمر فى حدوث طراغوذيا وآخره فأمر مشهور لا يحوج إلى شرح.
وأما قوموذيا فلما لم يكن من الأمور التى يجب أن يعتنى بها أهل العناية وأهل الفضل والرواية، فقد وقع الجهل بنشأه ونسى مبدؤه وكيفية تولده. وذلك أن المغنين لما أذن لهم ملك أسوس أن يستعملوا القوموذيا بعد تحريمه إياه عليهم، كانوا يستعملون شيئا يخترعونه بارادتهم مما ليس له قانون شعرى صحيح ولم يكون بجنبتهم والقرب منهم من يستمد منه أشكال الأقوال الشعرية حتى كانوا يصادفون شعرا ويكسبونه غناء وايقاعا فكانوا يقتصرون على بعض الوجوه الموزونة من الأقاويل القديمة أو من جهة الاستعانة بصناعة الأخذ بالوجوه. فكان أمثال هؤلاء لا يتحققون المعرفة بالقوموذيا فى وقتهم، فكيف يكون حالهم فى تحقيق نسبة قوموذيا إلى من سبقهم!
فصل فى مناسبة مقادير الأبيات مع الأغراض، وخصوصا فى طراغوذيا وبيان أجزاء طراغوذيا
إن إجادة الخرافات هى تقفيتها بالبسط دون الايجاز، فذلك يتم أكثره فى الأعاريض الطويلة، فان قوما من الآخرين لما تسلطوا على بلد من بلادهم وأرادوا أن يتداركوا الأشعار القصار القديمة ردوها إلى الطول وتبسطوا فى إيراد الأمثال والخرافات. ولذلك رفضوا إيامبو لقصره.
Sayfa 175