واعلم أن التعلم سواء حصل من غير المتعلم أو حصل من نفس المتعلم فإنه متفاوت فيه، فإن من المتعلمين من يكون أقرب إلى التصور لأن استعداده الذى قبل الاستعداد الذى ذكرناه أقوى ، فإن كان ذلك للإنسان فيما بينه وبين نفسه سمى هذا الاستعداد القوى حدسا، وهذا الاستعداد قد يشتد فى بعض الناس حتى لا يحتاج فى أن يتصل بالعقل الفعال إلى كثير شىء وإلى تخريج وتعليم، بل يكون شديد الاستعداد لذلك كأن الاستعداد الثانى حاصل له، بل كأنه يعرف كل شىء من نفسه، وهذه الدرجة أعلى درجات هذا الاستعداد، ويجب أن تسمى هذه الحالة من العقل الهيولانى عقلا قدسيا، وهى شىء من جنس العقل بالملكة إلا أنه رفيع جدا ليس مما يشترك فيه الناس كلهم، ولا يبعد أن يفيض بعض هذه الأفعال المنسوبة إلى الروح القدسية لقوتها واستعلاءها فيضانا على المتخيلة فتحاكيها المتخيلة أيضا بأمثلة محسوسة ومسموعة من الكلام على النحو الذى سلفت الإشارة إليه، ومما يحقق هذا أن من المعلوم الظاهر أن الأمور المعقولة التى يتوصل إلى اكتسابها إنما تكتسب بحصول الحد الأوسط فى القياس، وهذا الحد الأوسط قد يحصل ضربين من الحصول، فتارة يحصل بالحدس، والحدس هو فعل للذهن يستنبط به بذاته الحد الأوسط، والذكاء قوة الحدس، وتارة يحصل بالتعليم، ومبادى التعليم الحدس، فإن الأشياء تنتهى لا محالة إلى حدوس استنبطها أرباب تلك الحدوس، ثم أدوها إلى المتعلمين، فجائز إذا أن يقع للإنسان بنفسه الحدس وأن ينعقد فى ذهنه القياس بلا معلم، وهذا مما يتفاوت بالكم والكيف، أما فى الكم فلأن بعض الناس يكون أكثرعدد حدس للحدود الوسطى، وأما فى الكيف فلأن بعض الناس أسرع زمان حدس، ولأن هذا التفاوت ليس منحصرا فى حد بل يقبل الزيادة والنقصان دائما وينتهى فى طرف النقصان إلى من لا حدس له البتة فيجب أن ينتهى أيضا فى طرف الزيادة إلى من له حدس فى كل المطلوبات أو أكثرها وإلى من له حدس فى أسرع وقت وأقصره، فيمكن إذا أن يكون شخص من الناس مؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادى العقلية إلى أن يشتعل حدسا، أعنى قبولا لها من العقل الفعال فى كل شىء وترتسم فيه الصور التى فى العقل الفعال إما دفعة وإما قريبا من دفعة ارتساما لا تقليديا بل بترتيب يشتمل على الحدود الوسطى، فإن التقليديات فى الأمور التى إنما تعرف بأسبابها ليست يقينية عقلية، وهذا ضرب من النبوة بل أعلى قوى النبوة، والأولى أن تسمى هذه القوة قوة قدسية، وهى أعلى مراتب القوى الإنسانية،
فصل 7 (فى عد المذاهب الموروثة عن القدماء فى أمر النفس وأفعالها وأنها واحدة أو كثيرة وتصحيح القول الحق فيها)
Sayfa 250