والمضمون هو أن الكميات لا تتضاد بنوعيتها تضاد السواد والبياض. وكذلك حال الاستقامة والانحناء فإنها ليست بأضداد ولا كميات. وكذلك التساوى والتفاوت كلها إضافات فى الكميات، لا كميات، ولا بينها مقابلة التضاد. والكبر والصغر أيضا وما يجرى مجراها إضافات تلحق الكم؛ فالكبير لا يكون إلا كما؛ولكن ليس كميته أنه كبير؛ فإن الكبير مثلا يكون فى ذاته جسما أو سطحا، ولأجله يكون كما تعرض له إضافة ما فيصير بسببها كبيرا، وإذا عرضت له إضافة ما، فإنما تلحقه بعد أن كان كما؛ فإن كان فى تلك الإضافة أو فى عارض آخر مضادة، لم تكن فى ذات الكم، بل فى عارض للكم؛ إذ إنما تكون للكم من جهة عارض عرض له. واعلم أن الأمثلة التى أوردت فى دعوى أنه قد يكون فى الكميات مضادة فإنها كلها عوارض للكمية وليست كمية كما علمت؛ ومع ذلك فليس فيها تضاد؛ فإن التضاد إنما يكون بين طبيعتين كل واحد منهما معقول بنفسه، ثم إذا أضيف إلى الآخر قيل له مضاد؛ مثل الحرارة والبرودة؛ فإن كل واحد منهما معقول بنفسه، فإذا أضيف إلى الأخرى كانت ضدا لها؛ فتكون هنك طبيعة تعرض لها إضافة هى إضافة المضادة. والكبير والصغير لا معقول له من هويته إلا أن يكون مضافا؛ وليس له، من حيث هو كبير، وجود مخصوص، كما للسواد، من حيث هو سواد الذى هو ضد البياض، حتى تكون إضافة التضاد عارضة لذلك الوجود المخصوص عروضها فى السواد والبياض؛ ولذلك قد يكون الشئ كبيرا وصغيرا بالقياس إلى شيئين. ولو كان الكبير شيئا محصلا بنفسه تلحقه إضافة التضاد، لما استحال الكبير صغيرا بالقياس إلى غيره. فإنه لو كان للكبير طبيعة محصلة موضوعة للتضاد لكانت الطبيعتان والمحصلتان اللتان تعرض لهما الإضافة تجتمعان معا فى شئ واحد هو كبير بالقياس إلى شئ وصغير بالقياس إلى شئ. فإن قال قائل: إن هاتين الطبيعتين لاتكون بينهما مضادة، لأنه لا يضاد كبير بالقياس إلى شئ آخر، فيكون هذا القائل قد سلم أن الكبير والصغير لا تحصيل لهما إلا بالإضافة فقط.
والاضداد لها فى طبائعها تحصيل؛ وتكون تلك الطبائع متنافية متضادة، فتعرض لها الإضافة التى للتضاد؛ وتكون تلك الطبائع، وإن لم يلتفت إلى اعتبار التضايف الذى فى التضاد، طبائع متعادية لا تجتمع. فلو كان الكبير والصغير كالسواد والبياض وكسائر الأضداد والأضداد طبائع تعرض لها أضافة التضاد، لكان للكبير والصغير طبيعتان توجبان بينهما التنافى، وإن لم يلتفت إلى التضاد، مثل تلك الطبائع، فإنها، وإن لم يلتفت إلى التضاد، فقد توجب التنافى؛ أعنى أنها لكونها تلك الطبائع لا تجتمع.
وأزيد هذا شرحا فأقول: قد عقل أن تقابل التضاد ليس نفس تقابل التضايف؛ وإن كان التضايف كالتضاد، من حيث هو تقابل، ومن حيث لا يجتمع طرفاه. ولمخالفة التضاد للتضايف ما تجد طبائع الأضداد كالسواد والبياض لا تتضايف؛ وتجد الجوار والجوار لا يتضادان؛ ثم تعلم أن التضاد، من حيث هو تضاد، من باب التضايف لامحالة. فإذن ينبغى أن يكون فى التضاد شئ هو الذى لا تضايف فيه، وذلك التضاد، حيث هو تضاد، متضايف فبقى أن الشئ الذى فى التضاد لا يتضايف هو موضوعات التضاد وطبائعها، أى الموضوعات التى هى فى أنفسها أمور معقولة؛ إذا قيس شئ منها إلى شئ آخر، كانت هناك إضافة التضاد وكانت تمنع عن الاجتماع. فإذن المضادة لا تتم بأن تكون موضوعات لا تتضايف فى أنفسها، ويلزمها تضايف هو التضاد؛ وتلك الموضوعات هى لأنفسها لا تجتمع ألبتة، لا إذا اعتبر فيها التضايف فقط، بل يجب أن يكون لها ذلك أمرا هو بالذات قبل التضايف، ويلحقه التضايف. فيجب أن يكون للكبير والصغير، إن كانت متضادة، موضوعات، تلك الموضوعات معقولة بنفسها، وأنها لا تجتمع، وإن لم يلتفت إلى تضايفها. وليس الأمر كذلك؛ بل ليس إنما لا يجتمع الكبير والصغير، إذا كانا متضايفين لطبائع لها محصلة؛ تلك الطبائع لا تجتمع كما لا تجتمع طبيعتا السواد والبياض، لأنهما سوادوبياض، فيتضادان فيتضايفان؛ لأن المضاف من جهة أعم من المضاد، لا من حيث هو طبيعة، بل من حيث هو مضاد. بل إنما لا يجتمع الكبير والصغير لأنهما مما يقال بالإضافة فقط.
Sayfa 98